الثلاثاء، 8 فبراير 2011

ديانا الحوراني: روح الطبيعة تسكن لوحاتي


     ترسم أحزانها بألوان الفرح

        


حوار: محمد غبريس


للوحات الفنانة ديانا الحوراني موال حزين آت من قرى الفلاحين والمزارعين والفقراء، فيه بحة الناي أوّل الفجر، وأنين عصفور مكسور الجناح.. لألوانها ليل طويل طعمه كطعم الدموع والنزيف، تنبثق منه رائحة الحرب وتتسلل إليه ذكريات معبأة بالخوف والصمت..      
هي ابنة جنوب لبنان، ورفيقة السنابل والتلال – كما تقول – سرق منها الاحتلال الإسرائيلي عقد الياسمين والفرح والطمأنينة، واغتال الحزن تلك الابتسامة التي اقتبستها من الحقول والأنهار والأشجار..
كان عالمها اللوني مزيج من ألوان قاتمة يغلب عليها اللون الأسود، ويعبرّ عن حالة الفنانة الغارقة بالحزن والعذاب والجراح.. وقد تحملت ذلك لسنوات طوال إلى أن هاجرت هذا العالم بما يحتويه واختارت مكانا لا تنسجم معه إلا الألوان المضيئة، فقاومت الجرح باللون الأبيض والحزن بألوان ملؤها الانشراح والسلام..
ديانا الحوراني درست الفن منذ العام 1971، ثم مارست التدريس في معاهد ومدارس عدة في لبنان، سافرت إلى الإمارات وشاركت في تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية منذ بدايتها عام 1983..أقامت العديد من المعارض الشخصية في لبنان والإمارات فيما شاركت بمعارض جماعية عدة في هذين البلدين..

ملكة قرطاج

في البداية سألناها عن آخر أعمالها وهي لوحة كبيرة كانت معدة للمشاركة في مسابقة عالمية حيث قالت ديانا: هذه اللوحة تتضمن فكرة حول ملكة قرطاج أليسا، إذ كان هناك مسابقة عالمية تشارك فيها مجموعة كبيرة من الفنانين التشكليين من مختلف العالم يعرضون لوحاتهم على متن مركب في البحر ببيروت.. وقد اتصل بي الفنان اللبناني المعروف وجيه نحلة وطلب مني أن أمثل لبنان في هذه المسابقة، وأعطاني الخيط الأول من الفكرة، أعجبتني كثيرا لأنها تنتمي إلى تراثنا العريق وحضارتنا القديمة..فخطرت ببالي تقديم الفكرة بهذا الشكل، فرسمتها وأرسلتها إلى الفنان وجيه الذي أعجب كثيرا باللوحة وقال لي: " لوحتك مميزة جدا". لكن للأسف ألغيت المسابقة بسبب اندلاع  الحرب الأخيرة على لبنان..

ألوان حزينة
تأثرت ديانا الحوراني كثيرا في قصائد سعيد عقل التي غنتها فيروز، حيث كانت في فترة من الفترات الوحي الأوّل لبعض لوحاتها، وقد أطلقت على إحداها عنوانا باسم قصيدة لسعيد عقل..أمّا الوحي الآخر للوحاتها تقول ديانا: كان له صلة بواقع حياتي الشخصية إذ مررت بمحطات كثيرة حافلة بالأحزان والأشجان والأشواك، فحين أكون حزينة لا أستطيع أن أرسم أو أن أحمل الريشة ، كذلك الأمر حين أكون سعيدة، ولكن بعد التراكم في داخلي سواء كان حزنا أم فرحا، يخرج بتدفق كأنه السيل من عل، ليتحول إلى لوحة فنية تجسد عما كان يعتمل في نفسي.. من هنا تختمر الفكرة ويولد الإحساس الذي يستحيل ألوانا مختلفة تفرض نفسها على المساحة البيضاء ..وإذا أردت أن تعرف ما الأحداث التي ألمت بي فاذهب إلى لوحاتي وسترى بأمّ عينك.
من الغريب – تتابع ديانا كلامها -  بعد وفاة زوجي منذ 3 سنوات تقريبا عن عمر يناهز 48 عاما ، وكانت محطة صعبة كثيرا في حياتي، لم أستطع أن أرسم لفترة، ولكن حين عدت إلى لوحاتي، تشكل لدي احساس آخر انعكس على ألواني، فهجرت عالم الألوان القاتمة الذي مكثت فيه أكثر من ربع قرن، والتجأت إلى  عالم البنفسج والألوان الساحرة.. وأصبحت أرسم أحزاني بألوان الفرح وقاومت الجرح بلوحات تنشد الحبور والسعادة..
تظل اللوحة في عيون الفنانين هي الحاطنة الأولى لما يخفونه في أعماقهم المختلفة، وهي سرّ حياتهم الكامن خلف الألوان والخطوط والأشكال، وبالنسبة إلى ديانا فتعدّ اللوحة جزءا مقدسا من حياتها وهي وقود وجودها وزيت سعادتها، وتقول: عندما أتوقف عن الرسم لفترة ما بسبب حادث معين أشعر بأني لست موجودة..  وأنا ضد النساء اللواتي لا يقمن بأي عمل في حياتهن، لذلك أنا فنانة نشيطة، وقد عدت مجددا لتدريس الرسم في نادي الفتيات بالشارقة ..

لوحات ملؤها الحنين

لديانا طقوس محددة في رسم أي لوحة، فهي لا تقدر أن ترسم من دون أن تستمع إلى أغاني فيروز أو إلى موسيقى الرحابنة وإلى الموسيقى الكلاسيكية بشكل عام، لأنها – برأي ديانا - فيها الحنين والمحبة والعشق والصلاة، كما فيها رائحة الوطن والقرى الجميلة ورائحة الأرض المتلألئة بالسنابل والورود والأشجار..تقول: أنا ابنة إحدى القرى الجنوبية، ترعرت في أحضان الطبيعة الخلابة وتنشقت هواءها العذب وشربت من ماء ينابيعها الزلال.. تسلقت التلال طفلة تريد قرص الشمس، وجلت في الأودية حيث خرير النهر وحفيف الأوراق وزقزقة العصافير.. من هنا كانت معظم لوحاتي تجسّد هذا العالم الطفولي قبل الاجتياح الإسرائيلي..
تضيف: في لوحاتي جذور ونوتات حنين، ووطن سائغ كعين الديك..لدي لوحات عن الحصادين والفلاحين والمزارعين، كذلك عن قطاف العنب والزيتون والكروم فضلا عن لوحات تجسد المقاومة والصمود والتضحية في وجه العدو..كما لدي لوحات خاصة عن الزهور التي تنبت في جبال لبنان الشامخة، وطبعا هناك لوحات تعكس ذكريات كثيرة مازالت تحاصرني كأنها دموع محبوسة في العيون، إضافة إلى لوحات أتت نتيجة الحرب والمعاناة والحرمان..

التأمل والبحر والمرأة

لا تفصل ديانا بينها وبين البيئة التي ولدت فيها، وتتساءل قائلة: إذا أردت أن تعرفني فاذهب إلى المحيط الذي ولدت فيه؟! لا شكّ أن أعمال الفنان تعكس شخصيته وتنقل بعض المشاهد من البيئة التي ولد فيها..وبالنسبة إلى ديانا فإنّ البحر يمنحها الصفاء الذهني ويشاطرها الهموم والأفراح..إذ إنها تسافر إلى ما ورائه حيث التأمل والهدوء والدمعة الخفيفة.. أما التأمل فهو مفتاح الايحاء للوحاتها كما تعبّر..كذلك الليل تقتنص منه لحظات التأمل في روعة السماء، وبعض لوحاتها تنبثق أفكارها بين الحلم واليقظة..
المرأة هي جمالية الكون، هكذا تراها ديانا ليس من باب الغرور ولكن من باب القيمة، فالمرأة في اللوحة تختلف عن المرأة في الواقع برأي ديانا حيث تقول:  أرسم المرأة بشكل آخر ومختلف إذ إني أجمع معها تفاصيل الحياة، وأركز على مواطن القوة والتألق لديها.. في محطات كثيرة أعتقد أنها أقوى من الرجل، ودائما المرأة التي أرسمها ومن دون قصد تبدو تشبهني..والمرأة بحاجة إلى دعم كبير مادي ومعنوي وتشجيع ويجب أن يكون الرجل فخور بزوجته..
كما هناك لوحات لا تفرط بها ديانا كذلك هناك لوحات لا تحبها ولا تستطيع أن تنظر إليها أو أن تتأمل بتفاصيلها لأنها تأخذها إلى أمكنة لا تريد العودة إليها.. مثل لوحة تجسد مرحلة تعذبت فيها كثيرا..العذاب بالنسبة إلى ديانا يولد عندها إحباطا ثقيلا، ولكن في الوقت نفسه يمنحها القوة في ذاتها، فتتخزن هذه الصراعات عبر الأيام وسرعان ما تنفجر وتخرج ألوانا وأفكارا مختلفة ..

الأخلاق الفنية

أخيرا كان لا بدّ من وقفة عند الحب الذي ضحت من أجله وقدمت الكثير في استمراره هكذا تقول ولا تدخل بالتفاصيل، كان إلهامها الأول في حياتها، وأول لوحة رسمتها أهدتها إلى زوجها، ولكن اشتراها أحد الأشخاص بمبلغ كبير، فندمت بعد ذلك على فعلتها، ظنا منها أنها تستطيع أن ترسم مثلها..
وتوجه ديانا رسالة في ختام اللقاء إلى كل الفنانات المبتدئات، تقول فيها: الأخلاق الفنية أهم من أن ترسمن أي لوحة، وهذه الأخلاق وحدها التي تسهل الطريق في حياتكن.. وثقن أن اللوحة وسيلة لإسعادي وتوفر لي الطمأنينة والهدوء كما هي وسيلة لإسعادكم وتوفر لكن الطمأنينة والهدوء..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق