الاثنين، 24 يناير 2011

الدكتور عبد الواحد لؤلؤة: لا يوجد ناقد عربي يستحق الاسم منذ القرن الرابع للهجري


له أكثر من 48 كتابا في النقد والأدب والترجمة


·   عاصرت وجالست وعايشت الكثير من شعراء الحداثة في العراق، أخص منهم: نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، بلند الحيدري، ويوسف الصايغ.
·       الرواية تعيش اليوم مجدا غير مسبوق، ولكن ليس على حساب الشعر.
·       أدونيس..شاعر ومفكر ومبدع وكاتب نقدي كبير لا يدعي بأنه لديه نظريات نقدية.
·   هناك  عدد من أصحاب المواهب المحدودة يدعى بكتابة الشعر غير الموزون وغير المقفى ويقول عنه "شعر حر"، وهو عبارة عن صفصفة كلمات من دون معنى، وهلوسات لا تطاق.

حوار/ محمد غبريس
لم أعرف من أين أبدأ حواري مع الدكتور عبد الواحد لؤلؤة المستشار الثقافي في المكتب التنفيذي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي؟ فكلّ الأسئلة التي حملتها معي أو تلك التي خطرت في بالي أثناء المقابلة لم تشبع فضولي الكبير بالغوص في عمق القضايا والإشكاليات التي يطرحها المشهد الثقافي الراهن، ولم تخمد نار رغبتي بإجراء مقابلة ثانية وربما ثالثة للإحاطة أكثر بتجربة د. لؤلؤة من مختلف الجوانب، وعلى رأسها الجانبان التاريخي والثقافي.  
من منّا لا يعرف د. عبد الواحد لؤلؤة؟! وهو الذي أطل ّ مع رواد الإبداع العراقي الأوائل وعايش نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وبلند الحيدري وجبرا ابراهيم جبرا وغيرهم ممن جمعته بهم الكثير من الذكريات واللقاءات والعلاقات الثقافية والاجتماعية في مراحل مختلفة شهدت تطورات وتغيرات على أكثر من صعيد، إنّه البروفيسور والكاتب والمترجم والباحث الذي يحمل إرثا أكاديميا وثقافيا غنيا يمتد على اتساع مساحة الوطن العربي، إذ تنقل بين العواصم والمدن العالمية، واطلع على العديد من الثقافات والحضارات الإنسانية،  وهو يجيد اللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية والألمانية، له أكثر من 48  كتابا وكلها في النقد والأدب والترجمة منها: "البحث عن معنى" ، "النفخ في الرماد"، "مدائن الوهم"، "أوراق الخريق". أما كتبه المترجمة من الانجليزية إلى العربية فكثيرة أهمها: "موسوعة المصطلح النقدي" وتقع في 44 جزءا ومن المسرحيات التي ترجمها، مسرحية تيمون آردن، وترجم من العربية إلى الانكليزية أربعة كتب من الأدب العراقي المعاصر .

قدّم د. لؤلؤة في بداية حواري معه قراءة في تجربته الطويلة التي تمتد أكثر من نصف قرن مشيرا إلى أنّه عاصر وجالس وعايش الكثير من شعراء الحداثة في العراق، منهم: نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، بلند الحيدري، ويوسف الصايغ، قائلا:كانت تجمعني بهم علاقات طيبة، وكنت أتواصل معهم باستمرار، وقد كتبت ونشرت العديد من الدراسات والمقالات أتناول فيها تجاربهم المتنوعة، فمثلا الشاعر عبد الوهاب البياتي وعلى الرغم من اختلاف الشعراء والنقاد حول أعماله وأسلوبه ومداراته الفنية فهو شاعر من الطراز النادر، أما التزامه السياسي فقد آذاه  آذى كثيرا، وهذا الالتزام آذى  كذلك الكثير من المبدعين العراقيين، إذ من الملاحظ في العراق أنه في أوائل الخمسينات صار لدى كل المثقفين بمن فيهم الشعراء والأدباء، انتماء سياسي بشكل أو بآخر، وكل شخص كان ضد نظام الحكم العراقي الملتزم ببريطانيا آنذاك، يعتبر شيوعيا، وهم أغلبهم ليسوا شيوعيين، منهم يساريون ومنهم الآخر اشتراكيون ضد الاستعمار، بسبب هذه المواقف طُرِد من العراق عدد كبير من الشعراء منهم بدر السياب وعبد الوهاب البياتي بعد التوقيع على حلف بغداد 1955.
من هنا تطرق د. لؤلؤة إلى الشعراء العراقيين في الشتات مؤكدا أنه بصدد كتابة دراسة عن الشعر في الشتات باللغة الانجليزية بتكليف من جامعة ماربورغ الألمانية وهي من أعرق الجامعات في ألمانيا، ومن خلال سيدة ألمانية أميركية مهتمة كثيرا بالأدب العربي، مضيفا: لقد كلفتني هذه السيدة رسميا بكتابة موضوع أدبي يكون من اختياري، وارتأيت أن أكتب عن الشعر العراقي في الشتات وعن الشعراء الشتات والاغتراب الذين دفعوا أثمانا باهظة نتيجة مواقفهم وتوجهاتهم، ومن أهم شعرائه الذين مازالوا أحياء إلى اليوم هما اثنان: عبد الرزاق عبد الواحد ومظفر النواب..وأنا أعرفهما شخصيا والتقيهما دائما في المؤتمرات والمناسبات التي تقام هناك وهناك، وقد التقيت منذ سنوات قليلة مظفر النواب في أحد المؤتمرات بدمشق وكتبت مقالة طويلة عن قصيدة "الريل وحمد" وأرسلت إليه نسخة منها، وقال فيها: لم ينصفني أحد مثل عبد الواحد لؤلؤة، لكن مشكلة مظفر أنه مريض جدا، لكن روحه روح شباب، ومازال شعره مليئا بالتفجر والحماسة، وقد كتبت مرة مقالة أدافع فيها عن الكلام البذيء الذي يستخدمه مظفر في قصائده، وهو ليس قلة أدب كما يقال وإنما هو نابع من طبيعة بعض الأماكن في العراق وخاصة الجنوب، والذي يدخل في صلب الحياة الاجتماعية وهو يحمل الوجهين الايجابي والسلبي.
ثم يتحدث د. عبد الواحد لؤلؤة عن أهم الكتب التي صدرت له، منها كتاب "مدائن الوهم" الذي صدر عن رياض الريس للكتب والنشر ببيروت عام 2002، وهو عبارة عن دراسة نقدية في الشعر العربي المعاصر، لافتا إلى أنّ العنوان مأخوذ من قصيدة "الأرض اليباب" للشاعر تي إس إليوت، والتي ترجمتها إلى اللغة العربية، ولايزال النقاد المصرييون يصرّون على تسميتها الأرض الخراب، وهذا خطأ كبير وقد شرحتها مرارا، فالقاموس العربي يقول: دارهم يباب وأرضهم خراب..فاليباب هي الأرض التي انحبس عنها المطر فلا تنبت، والخراب يعني انتهت، وهذه هي خلاصة " The Waste Land" يقول تي إس في القصيدة: إنّ الحياة أصبحت أرض يباب بعد الحرب العالمية الثانية،ويقصد شرق أوروبا، لأننا نسينا وتخلينا عن التراث والإيمان، وإذا عدنا إليهما سيتساقط المطر وتعود الحياة من جديد.
يضيف:من هنا أقول إن الكتابين الأخيرين الذين صدرا لي هما ترجمة لكتاب انجليزي مهم جدا عنوانه " النظرية النقدية الحقيقية" يتناول ثمان تظريات حقيقية منها: الشكلانية الروسية، والبنيوية، والواقعية الجديدة، وعلم النفس في النقد، ولنقد النسوي..وقد نقلتها على مرحلتين، المرحلة الأول جاءت في النصف الثاني من كتاب "أوراق الخريف" والمرحلة الثانية جاءت في كتاب "ألوان المغيب" وهو يتضمن هذه النظريات.. والسبب في ترجمتي لهذا الكتاب هو أنه في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، قام عدد من كتاب الأدب العربي أغلبهم لا يعرفون أي لغة أجنبية، وهم يطلعون فقط على الترجمات، ويفهمونها على قدر فهم المترجم وغالبا ما يكون مشوشا، ثم يحاولون تطبيقه ما فهموه على الأدب العربي، مثلا أتذكر في أواخر السبعينات أحد أدعياء النقد الذين درسوا في الخارج، عندما ظهرت فكرة البنيوية، صار يحكي عن البنيوية في ذلك الوقت ولا أحد يفهم عليه، وأتى بقصيدة لعبد الوهاب البياتي اسمها "لارا" وكتب عنها دراسة نقدية، فاتصل بي جبرا ابراهيم جبرا وطلب مني أن أقرأ هذه الدراسة المنشورة في إحدى الدوريات العراقية المتخصصة، وعندما أجابته بأنني قد قرأتها، ضحك جبرا وقال وهل فهمت شيئاً؟! قالت لا، وهل فهمت أنت شيئاً، قال لا!! إذا كنا نحن المختصون في هذا المجال ولم نفها شيئا، فما هو حال القارئ المسكين الذي عليه أن يفهم هذه الطلاسم؟
هذا الذي دفع الدكتور عبد الواحد لؤلؤة إلى أن يترجم ما كتبه أساتذة متخصصون انجليز  في الجامعات البريطانية عن هذه المذاهب النقدية متضمنة المراجع، داعيا الناقد العربي إلى أنّ يطلع على هذه النظريات لكي يعرف كيفية التعامل معها، مؤكداّ أن أغلب المذاهب النقدية الفرنسية قد ترجمها المغاربة، وهي ترجمة جميلة ولكنها ليست سهلة وغير واضحة بالنسبة إلينا.
وردا على سؤال حول صحة غياب النقد عن الساحة الشعرية والأدبية العربية عموما، يؤكد د. عبد الواد لؤلؤة أنّ النقد  ليس غائبا بل في غيبوبة لسببين: أولا لا أعتقد بوجود ناقد عربي يستحق الاسم منذ القرن الرابع للهجري، قبل ذلك كان هناك نقاد لأن لديهم نظريات نقدية فالناقد هو الشخص الذي يملك نظرية نقدية تخصه ولا تخص غيره، أما أن يأتي فلان فيكتب نقدا ويستشهد بنظريات هذا وذلك وينقل عنهم، فهو ليس ناقدا إنما هو متناقد.
يضيف: كثيرا  ما تعرّف بي الصحافة في المقابلات بأنني ناقد كبير، وأنا لست ناقدا  لأنني لا أملك نظريات نقدية، وإنما أقرأ وأفهم النظريات بعمق..لا يوجد ناقد عربي إلى الآن، حتى طه حسين ليس ناقدا وإنما هو أديب كبير، لكن عندما أصدر كتابا عن الشعر الجاهلي وقامت الدنيا ولم تقعد آنذاك واتهم بالكفر، فهو طبق نظرية ديكارت في الشك، وطه حسين هو نفسه قال أنا لست ناقدا..
وعن آخر مشاريعه الترجمية التي  يقوم بها يقول د. لؤلؤة: أنا حاليا أعمل  على كتاب مهم جدا وقد أضناني كثيرا، وهو يتناول دور العرب في تطور الشعر الأوروبي من خلال الأندلس، وتعبت بإعداده لأنني قرأت نحو 400 كتابا بخمس لغات الانجليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية إضافة إلى العربية، وهالني ما وجدت من دراسات عن دور الأندلس في تطور الشعر الجديد.
فهذه الكتابات التي رصدت دور شعر الأندلس، خصوصا الموشح والزجل، أثارت زوبعات عديدة، والجميل أن من يدعم ما يسمى النظرية العربية هم الباحثون الأسبان وأغلبهم رهبان أو رجال كنيسة كاثوليك. إذ يتحدثون عن العرب أفضل ممن نتحدث نحن..
وردا على سؤال عما إذا كان لدينا اليوم شعراء كبار، يؤكد الدكتور لؤلؤة أنّ ممن تبقى من الشعراء الكبار هو  الشاعر الكبير سليمان العيسى، وهنا سألته: ماذا عن سعيد عقل وأدونيس؟ فقال: سعيد عقل شاعر كبير وعملاق، لكنه لبناني حتى العظم أكثر من اللازم، أما أدونيس فهو شاعر ومفكر ومبدع وكاتب نقدي كبير ولا يدعي أنه لديه نظريات نقدية، وكتابه الشهير "الثابت والمتحول" مهم جدا، وقد أثرى به المكتبة العربية.

وعن رأيه بالمقولة التي أطلقها الدكتور جابر عصفور " نحن نعيش زمن الرواية" يرى د. عبد الواحد أنه صحيح أن الرواية تعيش اليوم مجدا غير مسبوق ، ولكن ليس على حساب الشعر، والسبب في ذلك هو عدم وجود شعراء كبار، منذ نهاية القرن الماضي، لقد توفى الجواهري والبياتي وبلند الحيدري ونزار قباني ..نحن لسنا في زمن الرواية وقد تنطفئ بعد سنة أو سنتين، ونحن أيضا لسنا في زمن الشعر، وإنما نعيش في موجة من الرواية..

بالنسبة إلى موقفه من الشعر الحر وقصيدة النثر، يقول د. لؤلؤة: الشعر الحر والخطأ المستمر، الخطأ في التسمية، ذلك أن نازك الملائكة التي حررت القصيدة  من عدد التفعيلات وحرصت على الوزن والقافية، أطلقت على هذا النوع من الشعر "شعر حر"،  من هنا وقع الخطأ في التسمية، وهو ليس شعرا حرا، هو شعر التفعيلة..فالشعر الحر تسمية أطلقها الشاعر الأمريكي "والت وتمن" عام 1855 في مقدمة مجموعته "أوراق العشب" وهي "" Free verse لكن الترجمة العربية للمصطلح غير دقيقة إذ إنّ المشكلة أن كلمة Verse تعني "بيتا  من الشعر المنظوم"، فكان يجب أن يترجم إلى "النظم الحر"، أما الترجمة الفرنسية للمصطلح هي Vers Libre"" ففي الفرنسية, كما في الإنجليزية شعر موزون مقفى بعدد محدد من التفعيلات، وفي العربية, فشعر التفعيلة يلتزم الوزن والقافية, لكنه يتحرر من عدد التفعيلات الخليلية ومن حرف الروي  الواحد.
يضيف: بالنسبة إلى "قصيدة النثر" فإن أول من بدأ بها هو "بودلير"الذي سماها poeme en" prose  " أي "قصيدة النثر". وهي  قصيدة ذات الشحنة الشعرية, لا وزن فيها ولا قافية.من هنا أقول إنّ الشاعر المبدع هو أكبر من الوزن والقافية، إذ يستطيع أن يكتب شعر  التفعيلة والحر وحتى المعلقات..وهناك  عدد من أصحاب المواهب المحدودة يدعى بكتابة الشعر غير الموزون وغير المقفى ويقول عنه "شعر حر"، وهو عبارة عن صفصفة كلمات من دون معنى، وهلوسات لا تطاق..إنّ أفضل من كتب قصيدة النثر هم المغاربة وعلى رأسهم الشاعر محمد بنيس الذي كتب أيضا قصيدة التفعيلة وهو شاعر متميز، فقصيدة النثر تعتمد على النص، فإذا كان النص يحمل شحنة شعرية فهي قصيدة.
يقول تي إس اليوت: الشعر الحر أصعب من شعر الموزون والمقفى، ولا يستطيع إنسان أن يكتب شعرا حرا جيدا إذا لم يكن ناجحا بكتابة شعر الموزون والمقفى.

وعن نظرته للمشهد الثقافي الذي كان سائداً منذ عقود خلت، يختصرها د. لؤلؤة في هذه القصة، قائلا: كنت على علاقة طيبة مع الأديبين الراحلين عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا الذي كان أستاذي في قسم اللغة الإنجليزية بدار المعلمين العالية، وقد عشت ولادة رواية "عالم بلا خرائط" وهي مشتركة بين منيف وجبرا، حيث كان بيتي في حي الجامعة ببغداد في الوسط بين بيتي منيف وجبرا، فقال لي جبرا آنذاك متسائلا: أتتذكر أيا من الروائيين الغربيين قد اشترك مع روائي آخر بكتابة رواية؟ قلت بتعجب: لا أتذكر ولكن أعرف في الشعر، مثلا شكسبير يقال أنه اشترك مع غيره من الشعراء بكتابة عدد من القصائد! ثم قال لي: اقترحت على عبد الرحمن منيف أن نكتب رواية مشتركة تحت عنوان "عالم بلا خرائط"، قلت له كيف: قال: أنا أكتب فصلا وأعطيك إياه لتقرأه وكذلك منيف يكتب فصلا.. وبالفعل شهدت ولادة هذه الرواية العظيمة، ومن الصعب جدا أن تعرف من كاتب هذا الفصل أو ذاك..هذا مثال على ما كان عليه الوضع الأدبي في تلك الأيام.
في ختام الحوار يشير المستشار الثقافي في المكتب التنفيذي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى أنه يوجد اليوم الكثير من أدعياء الترجمة كما يوجد عدد كبير من المترجمين المبدعين، مقدما بعض النصائح لكي يكون المترجم مبدعا، أهمها أنّ يكون واسع الإطلاع والمعرفة بلغته أولا وباللغة التي ينقل عنها، ولا يكفي في ذلك استخدام القاموس، مؤكدا أنه ليس من السهل ترجمة الشعر، لأنّ ذلك يتطلب حسا مرهفا وذوقا فنيا في التعامل مع القصيدة ونقل مناخها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق