الثلاثاء، 8 فبراير 2011

الخان التاريخية.. جارة البحر


كانت استراحة للقوافل والسائرين بين دبي والشارقة 





كتب/محمد غبريس
هي بلدة صغيرة جداً تتكئ على خدّ البحر بهدوء وسلام، يدلّك الموج أطرافها بحنو ويتسلل إلى جذورها وبقاياها من بيوت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبضع نخلات تكاد تزحف باتجاه الأفق بحثا عن أحبة هناك، وجزء من أبراج وحصون تعتصر الزمان طينا بطعم الشوق واللهفة، هي الخان التي تحفظ صوت الريح الممزوج بأنفاس السفن القادمة من خلف البحار، وتنزف ذاكرة لها بريق الرمل والأصداف تحت أشعة الشمس الذهبية، وهي قبل كل شيء بأطلالها ودموعها المتناثرة وذكرياتها الضاربة في الأرض، تصارع من أجل البقاء أمام زحف المدينة الحديثة، وتحكي قصة بلدة تقع على الخليج العربي في الطريق بين الشارقة ودبي، عرفت في تاريخها الماضي مكانة مميزة في تلك المنطقة، وازدهاراً كبيراً على صعيد التجارة والصيد واستخراج اللؤلؤ.
لكن الخان اليوم غير الخان في الماضي، فكلّ شيء فيها قد تغيّر، حيث اتسع المكان وتمدد نحو الصحراء، وشيّدت الأبراج الزجاجية والمباني الحديثة واخترقت الطرقات المهيبة الأحياء والبيوت، وراح الجديد يأكل القديم بنهم، ويستلب ما تبقى من ذاكرة التاريخ، فيما غرّبت زحمة الحياة اليومية بوتيرتها السريعة نداء البحر وصرخات الأمكنة التي تحتفظ بأسرار الأجيال، وتدّخر مرايا الطفولة وصراع الحنين عبر الزمن، فالخان التاريخية وما كانت تمثله من موقع استراتيجي، لا تستوقف كثيرين اليوم، ويمرّون بها مرور الكرام، فكما نالت نصيباً كبيراً من الاندثار كذلك نالت ضربة موجعة في خروجها من الذاكرة والتناول، وعلى الرغم من ذلك بقيت منسجمة مع نفسها، لتتحوّل إلى نشيد للمجد تردده الأيام ويتناقله الشوّاب قصصا وذكريات ولحظات دافئة حفرت عميقا في القلب والوجدان.
إنها الخان التاريخية التي شكلت أحد أهم اهتمامات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة انطلاقاً من الحفاظ على التراث العمراني والثقافي، والعمل على تطويره فضلا عن حماية التقاليد وترميم الآثار التاريخية، من هنا تأتي توجيهات سموه في هذا الشأن بمنع هدم البيوت القديمة وإطلاق عملية الترميم والصيانة في عدد من المواقع التاريخية وتحديدا في منطقتي "المريجة والشويهين".
وللوقوف على ذلك التقينا خبير الآثار والترميم المهندس فواز شرف الدين مدير مشروع إحياء منطقة الخان التاريخية الذي أطلعنا على بعض تاريخ هذه البلدة، وعلى سير عملية الترميم والصيانة.
في البداية أكد شرف الدين أنّ تاريخ إمارة الشارقة محفوظ في عقول أبنائها وما هو مكتوب وموثق لا يغطي إلا جزءا قليلا من هذا التاريخ العريق والحافل بالمآثر والمكرمات.
ولفت إلى أنّ تسمية الخان بحسب المصادر و"الشواب" تعني مكان المبيت، وقد اكتسبت هذا الاسم نظرا لموقعها في الطريق بين الشارقة ودبي، حيث كانت قديماً استراحة للقوافل والسائرين بين الإماراتين والبلدات الواقعة بينهما مثل بوهيل والوحيدة والممزر واللية .
أضاف: كانت الخان تتكون من أربعة فرجان، فهناك فريج يسمونه فريج الشرق والفريج الثاني يسمونه فريج الغرب، وهناك الفريج الوسطي يسمونه فريج النص، وفي طرف الخان من جهة الغرب هناك فريج يسمونه فريج العجم، فيما  كانت تضم مربعات عديدة منها مربعة راشد بن بطي، ومربعة ولد ميثا التي تقع في فريج الشرق، كما تضم أكثر من عشرة أبراج دفاعية، من بينها برج طلاع الذي يقع في مدخل الخان من الشرق، وبرج بن جرش ويقع في فريج العجم، إضافة إلى عدد كبير من البيوت السكنية، منها بيت محمد بن عبيد جرش، وبيت راشد بن علي السويدي وبيت ناصر بن غليطة. وكانت الخان تحوي أيضا مساجد عديدة، منها المسجد الكبير، فضلا عن سوق تجاري كبير يقع في فريج النص ويضم خمسة وعشرين دكانا تقريبا، وقد تهدّم السوق في فترات سابقة ولم يبق منه شيئا.
وقد أوضح المهندس شرف الدين أنّ  أهل الخان قد اعتمدوا في رزقهم على صيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ فضلا عن اعتمادهم على التجارة، واستطاعوا الإبحار والوصول إلى الهند وجنوب إفريقيا وسريلانكا، لجلب الشاي والأخشاب بأنواعها والفحم والأقمشة والمواد الغذائية.
وحول عمليات الحفر والترميم أشار شرف الدين أولا إلى أنّ الحفاظ على التراث بدأ في أوائل التسعينات من القرن الماضي بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة،  الذي أمر بترميم وصيانة مواقع الآثار والاهتمام بما تبقى من المباني التاريخية وقد جرى تعيين فريق مختص أوكلت إليه مهمة الترميم والصيانة، فيما تم تعييني عام 2007 حيث انضممت إلى قسم الصيانة والترميم بإدارة التراث التابعة لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وتعرفت إلى منطقة الخان التي جذبت إليها كثيرا وشدت انتباهي كما استطعت أن أقرأ تاريخها من خلال البيوت المتبقية إلى اليوم..
أضاف: بدأت استخدم خبرتي ودراستي في ترميم هذه المنطقة، وقد واجهتني بعض الصعوبات في بداية الأمر، وقد عملت مع بيتر ماكسون وهو مهندس معماري له خبرة طويلة في ترميم المباني، وبدأنا معا نضع أسسا عالمية للترميم والصيانة، كما أسسنا قسما جديدا اسمه "وحدة تخطيط المباني التاريخية" وهو تابع لإدارة التراث ويتمتع بنظرة شاملة وأوسع من مجرد ترميم المباني.
وأضاف: كذلك أقمنا شبكة علاقات واسعة للاستعانة بها في هذا المشروع، منها بلدية الشارقة وجامعة الشارقة وجامعة الإمارات والجامعة الأميركية، وتواصلنا مع إدارة المباني التاريخية بدبي وهيئة الثقافة والتراث بأبوظبي.. وعلى صعيد العالمي تواصلنا مع منظمة "اكروم" المركز العالمي للحفاظ على التراث العمراني والثقافي، وقد عقد حاكم الشارقة معاهدة تفاهم مع "اركوم" بموجبها يأتي المركز العالمي إلى الشارقة وينظمون دورة تدريبية للموظفين سنويا.
على صعيد آخر – يتابع شرف الدين كلامه - بدأنا بدراسة المباني القديمة وقد أخذنا منها عينات وأرسلناها إلى المختبرات المختصة، واستعنا بخبراء أجانب، ثم قمنا بتركيب خلطات المونة لتحاكي طبيعة المادة القديمة.
وأخيرا أكد شرف الدين أن مشروع إحياء منطقة الخان التاريخية يحتاج مبدئيا من ثلاث إلى خمس سنوات..




هناك 16 تعليقًا:

  1. سافرت من 40 سنة الي الامارات انا وأسرتي وكان عمري وقتها عام واحد واقمنا في منطقة الخان القديم وسكنا في منزل جميل عربي على البحر مباشرتا طيلة عشر سنين عندما كان يحدث مد كان البحر يضرب جدار منزلنا ولعبت في كل المنازل القديمة هناك البرج والفنانه والحصان ومنزل الشيخ شخبوط على البحر الكبير وكنا أصحاب الصيادين كل الصيادين انا واخوتي واولاد جيراننا الاعزاء كنا تنتظر عم خلفان عندما يعود من الصيد نحضر له البدلاء ويملئها بالسكك والروبيان والكابوريا وكان هناك مصنع للاكياس وشركه بجانب المنزل لا انسى ولن انسا اجمل ايام الطفوله اسعد ايام حياتي والجيره الطيبه وايام الخير عدنا مصر سنة1990والى الان مازلت رائحه البحر في قلبي واحس بالرمال تحت قدمي واذكر كل زاوية في منزلنا ورائحته برغم أنه لم يبقى له أثر

    ردحذف