· الأديب الإماراتي مهمش ويعيش حالة إحباط
· أحاول اليوم البحث عن وظيفة تؤمن لي احتياجاتي ولقمة العيش بعيدا عن الصحافة والأدب
· ميزانية بعض وزارات الثقافة والإعلام العربية لا توازي ميزانية دار نشر واحدة!!
·
حوار / محمد غبريس
نواف يونس، صحفي منذ 25 سنة، حمل خلالها على كتفيه جراح الوطن وهموم وقضايا الناس، تمسك بالهوية العربية الحقيقية وبالمشروع القومي الوحدوي، زار أكثر من مدينة عربية، وله فيها مطر وأصدقاء.. كل العواصم يرى فيها دمشق، وكل المدن الصغيرة تذكره بطرطوس..نمت أحلامه في بستان الأدب، وانصرف إلى الكتابة والقراءة بحثا عن وطن يجد في ربوعه طفولة أمس، انحاز بقلمه إلى الحقيقة والموضوعية والأصالة، وعبّر عن معاناة وهموم رجل الشارع..
لم تقتلع الغربة من داخلة عشقه لمدينة طرطوس التي ولد في ربوعها، وغادرها وهو فتى، علاقته ببيوتها وحاراتها وأهلها كعلاقة الشاعر بالقصيدة، لم تزل أصداؤها – كما يقول – تجوب أعماق نفسه كما يجوب القمر شوارع القرى، فعاشت هذه المدينة بطرقها وأزقتها وناسها في داخله، تملكته في الحلم والكتابة وفي حالات الفرح والحزن، لم يذهب نواف إلى سوريا إلا زائرا، منذ 26 عاما حتى الآن..وقال لي إنه قرر بعد 3 أعوام عندما يبلغ الستين من عمره سيعتزل الصحافة ويذهب للحياة في هذه المدينة..
في بداية الحوار وجه نواف تحية إلى زوجته فهي التي جعلته يتفرغ تماما للكتابة وللصحافة، إذ تفهمت طبيعة عمله منذ البداية، ويقول: لأنّها إنسانة مثقفة، كانت معلمة مدرسة، استقالت وتفرغت لتربية الأولاد، حين وجدت أن البيت سيعاني غيابي المستمر، لدرجة أنني كنت أعود إلى البيت في الليل وأجد أولادي نائمين، وعندما يستيقظون صباحا ويذهبون إلى مدارسهم، كنت أستيقظ ولا أجدهم، فهذه الحالة كانت تتكرر 5 أيام في الأسبوع، فكان لا بدّ من دور تعويضي، فإذا بزوجتي توقم بهذا الدور متطوعة.. وأستطعت أن أكوّن أسرة ناجحة من جانب التعليمي والأخلاقي والإنساني..أنا أب ديمقراطي جدا في البيت نتيجة ما أعانيه في مهنتي وفي حياتي العملية..
· أخبرنا عن تجربتك مع الأدب والثقافة والصحافة؟
تحضرني هنا واقعة جرت عام 1956م حين كنت في الصفّ الأوّل ابتدائي، وقد دعتنا إدارات المدارس إلى الخروج بمظاهرة – طبعا لا نعرف لماذا؟ ووقفنا نحن الصغار في الصفوف الأولى، وفي الخلف وقف المدرسون والأساتذة، بهذه الطريقة كانت تنظم المظاهرات يومذاك، فالصفوف الأولى هي في وجه الجنود والشرطة، وكنت وقتها أحمل صورة لإحدى الشخصيات السياسية لا أذكر لمن ، بعد ذلك أدركت أن هذه الصورة كانت لجمال عبد الناصر.. لذا هل أقدر أن أنفصل عن هذه البيئة السياسية التي عشت فيها ذات الخلفية الثقافية الأدبية؟ أنا من بيت سياسي، ووالدي كان لاجىء سياسي في مصر لمدة 25 سنة، وهو لم يتح لي الفرصة لأعود إلى سوريا منذ عام 1961م حين غادرتها، وحتى الآن لا أعود إليها إلا زائرا، لم أستقر ولم أعش فيها، والذي يتوج تجربتي الصحافية والأدبية هو أن أعز أصدقائي يعتقدون أنني فلسطيني، من هنا أعتبر أنني نجحت في رسالتي الإعلامية والأدبية، لأني صاحب هوية عربية، ورجل وحدوي، ولايزال هذا الحلم في داخلي، وكل عملي يتكىء عليه، مؤمنا بأنّ المشروع القومي والوحدوي هو الخلاص الوحيدة للمأزق العربي الكبير..
بالنسبة إلى ثقافتي فقد تكوّنت في مصر التي كانت تعيش في أوجها الثقافي والحضاري بمشروعها النهضوي في الستينات من القرن الماضي، فاطلعت على الأدب الروسي والأدب العربي وشاهدت المسرح ورأيت عمالقة المسرح وهم يقدمون روائع الأدب العالمي، فتكونت البذرة الأولى لثقافتي في ذلك الوقت في مصر، بعد ذلك أتيح لي - وأعتقد كان هذا من حسن حظي – أن أعيش في بيروت لفترة وفي الجزائر كذلك ، وقد تنقلت بين أكثر من مدينة عربية إلى أن استقررت أخيرا في الإمارات..
يضيف: سرقتني الصحافة من الأدب، إذ بدأت أولا بكتابة القصة القصيرة، ونشرت في القاهرة والجزائر وفي بيروت، لكن البداية الصحافية الحقيقية كانت عام 1981 مع الشاعر الراحل محمد الماغوط والدكتور يوسف عيدابي في الخليج الثقافي لدى جريدة الخليج، حيث بدأت بنشر قصص قصيرة في الملحق الثقافي وفيما بعد زرت الخليج الثقافي، فطرح عليّ عيدابي والماغوط أن أعمل لديهما في جريدة الخليج، فبدأت مسيرتي الصحافية في ذلك الوقت.. كان الهدف الأساسي إبراز ملامح الحركة الثقافية في الإمارات بمختلف مجالاتها: التشكيلية والأدبية والمسرحية.. كنت متابعا للفنانين المسرحيين في مسارحهم والتشكيليين في معارضهم الجادة والملتزمة في بدايات الثمانينات، كما كنت متابعا لكل الأجناس الأدبية، وللمبدعين والأدباء والكتاب وللقصاصين.. من ناحية أخرى أسست مع الدكتور أحمد فهمي أول نادي فيديو في الإمارات بنادي الشارقة، وأسست مع الدكتورة رفيعة غباش التي هي الآن رئيسة جامعة الخليج في البحرين، أول نادي سينما في دبي، فكنت شاهد عيان على هذه الحركة الثقافية في الإمارات.. ومآخذي على هذه الحركة أن هذا الجيل المؤسس لم يخلف جيلا آخر، لا من حيث الكم ولا من حيث النوع، ولا أعرف ما هي الأسباب؟ أما اليوم فتوجد محاولات فردية، وهذا لم يحدث في الفن التشكيلي ولا في المسرح، ففي التشكيل قد تأسس جيل آخر يستكمل المسيرة التشكيلية، وفي المسرح بدأوا الآن عبر الورشات والدورات في تكوين جيل جديد يرفد الساحة الثقافية.. لكن في الأدب على ما يبدو أن الأديب الإماراتي وهو جزء من شخصية وفكر ونفسية الأديب العربي، يعيش حالة إحباط، فانعكست على مشاركاته في النشاطات الثقافية والفعاليات وحتى في إبداعه، فمنهم من توقف عن الكتابة، وآخرون شغلتهم ظروف الحياة، وأعتقد أن من الأسباب الرئيسة لذلك هو إفلاس الجمعيات والمؤسسات المعنية بالثقافة، ماديا وفكريا ومعنويا، وعجزت هذه المؤسسات عن القيام بدورها المنوط بها، من هنا أعتقد أن هناك خلل في تعاقب الأجيال في الساحة الأدبية الإماراتية، فيما هناك وعي أكثر في الحركتين: المسرحية والتشكيلية..
· بعد هذه التجربة الطويلة، ما الخلاصة التي وصلت إليها؟
أحاول اليوم البحث عن وظيفة تؤمن لي احتياجاتي ولقمة العيش بعيدا عن الصحافة والأدب، من المؤسف أن يصل الأديب إلى طريق مسدود، يعجز عن تأمين مستلزمات حياته البسيطة اليومية والشهرية والسنوية، مع صعوبة الحياة والغلاء في الأسعار وارتفاع في الإيجارات، والسكن .. أشعر وكأنني أخطأت.. أنا لم أختر هذه المهنة بصراحة، لا أدري بالظبط لماذا اخترتها؟ كنت في البداية موظفا في وزارة الاقتصاد والتجارة في الإمارات، حيث ساهمت في إصدار مجلة نصف سنوية اسمها " الاقتصادية " وكنت سعيدا في ذلك، ولكن حدثت نقلة مفاجئة، ومثل ما ذكرت سرقتني الصحافة من الأدب، والمشكلة أن الصحافة كما يقال بالعامية " مثل الفريك لا تحب شريك " لا تستطيع أن تعمل في مهنة أخرى بجانب الصحافة..
· لماذا تصل دائما حال المبدعين إلى هذا الوضع المزدري؟
طالما أن المؤسسة الرسمية تهمّش دور المثقف، وتعتمد على أن المثقف هو تابع للسياسي، فمن هنا لن تقوم قائمة لا للمثقف ولا للثقافة العربية عموما.. هذه حالة عامة تجدها فقط على الساحة العربية، في حين أنك تجد المثقف في فرنسا أو في أوروبا أو في الغرب يتمتع بتقدير مادي ومعنوي كبيرين، وذلك من خلال التشريعات والمعايير الاجتماعية والمادية والإنسانية إذ يكون لهذا الأديب أو هذا الإعلامي الحماية الأساسية ليعيش وهذا لا يتوفر – طبعا - للمثقف العربي بتاتا..
· كيف تقرأ واقع الصحفي اليوم في ظل الأوضاع الراهنة؟
عندما يتواجد مشروع ثقافي ما سواء مشروع تنموي أونهضوي، على ما يبدو أن المجتمع يعتمد على الإعلام، من هنا ترتفع قيمة الإعلامي ويبدو في الصورة والواجهة، في حين عندما تختفي هذه المشاريع أو هذه الخطط التنموية كما هو حاصل اليوم بعد هذه الإحباطات التي عشناها خلال السنوات العشر الأخيرة في غياب أي مشروع، مع احتلال العراق، وعقب حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة إذا جاز التعبير، مع هذا الخلاف العربي من المحيط إلى الخليج.. فأوّل من يدفع ثمن هذه الحالة هو المثقف، عندما نتكلم عن المثقف أقصد الإعلامي والأديب والكاتب.. من هنا تبدأ المعاناة الأولى للصحفي أو الإعلامي أو المثقف بشكل عام، إنه مرهون بالحالة النهضوية، وبوجود مشروع عربي على مستوى الثقافة، وفي حالة غياب هذا المشروع تسدل عليه الستار..
أما داخل المؤسسة، فهناك أمران، الأمر الأوّل هو السقف المتاح للإعلامي وهذا يختلف من كل بلد عربي إلى الآخر، لأن هذا السقف هو الذي يؤثر في عملية كيفية تناول هذا الإعلامي للقضية أو المشكلة أو الإشكالية التي يحاول متابعتها أو رصدها..وهذا السقف يحدد من ثقافته ورؤيته ويقلص كثيرا من إمكانياته وهذا نوع من المعاناة التي يعانيها الصحفي..
الأمر الثاني هو مادي، وإذا قارنا مقارنة بسيطة بين الإعلامي في الغرب والإعلامي في وطننا العربي، تجد أن الإعلامي الغربي هو الوجيه الأمثل في المجتمع وهو صاحب أعلى أجر، وهو المحرك والمفكر والمؤثر في حركة المجتمع، أولا سقف الحرية المتاح له هو أكثر بكثير مما هو موجود لدينا، وثانيا ترتفع مكانته المادية والمعنوية والاجتماعية في المجتمع..
· لكن حال العاملين في الإعلام المرئي تبدو أفضل من حال الصحفيين سواء من ناحية المال أو الشهرة؟!
إما أن نترك الإعلام المقروء ونذهب إلى الإعلام المرئي بخبرتنا وتجربتنا وكفاءتنا وإما أن نبقى مؤمنين بدور الإعلام المقروء الذي نحن من أبنائه ونحمل همومه وقضاياه، لأن الإعلام المقروء والمؤثر حتى الآن على الرغم مما يقال عن وسائل التقنية والتكنولوجيا والاتصالات والمعلوماتية ما زال يلعب دورا مهما في حياة القارىء والمواطن العادي الذي يحتاج إلى الصحيفة اليومية ويتعامل معها ولا يوجد أي اختراع ينتهي..
· ماذا عن حرية التعبير اليوم في العالم العربي؟
يحضرني مثال بسيط جدا، مفاده أن ابن بطوطة تجاوز كل الحدود العربية بدون جواز سفر، في حين أن كتابه يقف في جميع الحواجز والمطارات والحدود العربية وأحيانا يمنع هذا الكتاب، وهذا أبسط مثال على الحرية المتاحة، بين أمس في تاريخنا العربي وبين ما يحدث الآن..
هناك بعض الأنظمة استطاعت أن تحدث تغييرا في البنية الثقافية والإعلامية مع تغيّر الأنظمة وتوجهها، هناك أجيال كثيرة قضي عليها واستطاعت بعض الأنظمة أن تبني أجيالا جديدة من الإعلاميين، وهنا تكون الحرية متاحة.. حيث تغيّر معها مفهوم حرية التعبير، وأصبحت حرية التعبير فيما يرضي صاحب القرار هي أكثر للإعلامي في حين أن العكس صحيح.. لماذا اكتسبت قناة الجزيرة منذ 10 سنوات مصدقية المشاهد العربي، كما يقال على الرغم من وجود أكبر قاعدة أميركية على بعد أمتار منها؟!.. لا مسرح لا إعلام لا أدب لا إبداع من دون حرية، فالحرية هي الأساس الحضاري لكل نهضة توجد في أي مكان..أنا لا استطيع أن أحدد لنفسي على " مسطرة " مساحة الحرية التي أستطيع ان أتعامل معها، ولكن في أي بلد أعمل فيه بالصحافة أدرك ما هو السقف المتاح لي، وهنا أستشهد بمقولة ظريفة للشيخ عبد الله بن زايد عندما كان وزيرا للإعلام والثقافة في رده على أحد الأسئلة، قال: إن الإعلاميين والأدباء والكتّاب والمثقفين لم يستغلوا مساحة الحرية المتاحة لهم.. " فهل هو الخوف الداخلي؟ هل هي الرقابة الذاتية عند هذا المبدع؟ هل هو عدم ذكاء أم عدم وعي؟.
· كيف تنظر إلى واقع الفضائيات؟ وما السبل الكفيلة لمواجهة الفكر الغربي في هذا المجال؟
إن القفزة التكنولوجية والتقنية ووسائل الاتصال اللامحدودة من نتاج المجتمع الغربي، وصلت إلى ثقافة معينة، فيما تحمل هذه التقنيات وهذه التكنولوجيا قيما وثقافة هذا الغرب، ومن يتعامل مع هذا الوسائل الحديثة وهذه التقنيات شاء أم أبى سيتعامل مع هذه الثقافة وتلك المعايير الغربية.. أما اليوم فمباح لمن يريد أن يمتلك مساحة من الفضاء فقط أن يمتلك المال، والثقافة غير واردة، والقيم والأخلاقيات الخالدة، والمعايير والعادات والتقاليد لا وجود لها.. ولأنها تتعامل مع الفكر الغربي والآلة الغربية وبالتالي هذه الفضائيات تبث هذه المعايير من خلال البرامج والفيديو كليب.. وهي تحطم القيم والهوية والأخلاقيات وخصوصية الهوية العربية الإسلامية التي يحاول الأدب أن يبني من خلالها ويحافظ عليها..وهي عدوة الأدب بهذا الشكل المبتزل التي تقدم فيه، تخيل أن 126 مسلسلا عربيا قدمت في رمضان، وأنا لم أستطع أن أتابع إلا مسلسلا تاريخيا ومسلسلا اجتماعيا.. ماذا سيحدث بمشاهد يتنقل خلال ساعات النهار والليل بين 20 و 30 مسلسلا ، على ماذا سيحصل؟ وماذا سيكتفي؟؟
في ظل غياب المشروع الرسمي وغياب الفكر التنويري الذي يبدأ من البيت والمدرسة ثم إلى المؤسسات المجتمعية، طبعا سنعيش كما نعيش اليوم، وستظهر أجيال لا تمتلك أدنى حدود القيم والأخلاقيات التي تنتمي إلى مجتمعنا.. نحن لسنا ضد الثقافات الأخرى بل ندعو إلى حوار الثقافات والحوار الحضاري بين الثقافات، ولكن سنصل إذا ما استمر الحال على ما هو عليه إلى أننا سنصبح تابعين للثقافة العالمية ولن نستطيع أن نقيم هذا الحوار لأننا لا نمتلك أدوات المواجهة ولا نمتلك بالأساس ركائز ثقافتنا الحقيقية أو هويتنا الخاصة.. فرنسا تواجه العولمة والثقافة العالمية ببعض التشريعات والقوانين والمؤسسات الرسمية حيث تعمل بإيمان ووطنية على حماية الثقافة والهوية الفرنسية، في حين نحن نعيش في غيبوبة..
· الكتاب العربي إلى أين؟
كل ما ينشر في العالم العربي منذ عهد المأمون إلى الآن لا يوازي ما ينشر أو يطبع في دولة أوروبية واحدة خلال عام واحد، فأين دور الكتاب؟؟ وأين صناعة الكتاب؟؟ عن أي كتاب نتحدث، وعن أي ثقافة كتاب أو صناعة ، أنا أدعو إلى إنشاء مركز عربي للنشر يتبنى ويرعى وجود صناعة الكتاب، وأن يتواجد هذا الكتاب في أغلب العواصم العربية سواء عبر الجامعة العربية أو عبر إحدى الدول أو تعاون الدول مع بعضها بعضا، أنا أعتقد أن هذه المراكز هي المستقبل الوحيد للمحافظة على الكتاب، ومن خلال بتشريعات معينة توضع لها مع توفير الخطة المدروسة للتعاون والتنسيق وتوفير الجانب المادي، ربما نستطيع أن نحتوي أزمة الكتاب التي وصلت إلى الحضيض، باستثناء عدة معارض عربية الآن..
إن المسؤول في المؤسسة الرسمية يجب أن يكون مثقفا ومدركا وواعيا لدور الكتاب المطبوع والمقروء، أريد أن أقول لك مفارقة خطيرة جدا وهي أن ميزانية بعض وزارات الثقافة والإعلام العربية لا توازي ميزانية دار نشر واحدة، فكيف لهذه الوزارة أن تقوم بمشاريع أو بخطط أو بفعاليات ثقافية؟!
مثال بسيط في الإمارات، أنظر إلى المؤسسات الثقافية الموجودة في الإمارات ، أين دور الأديب والمبدع الإماراتي في هذه المؤسسات؟؟ لماذا لا يكون للأديب والمبدع الإماراتي الدور المهم والأساسي والمشاركة في خطط ومشاريع المؤسسات الثقافية؟ فالمبدع الإماراتي مغيب ومهمش ومحبط، لذلك كل جمعيات وزارة النفع العام وكل المؤسسات التي تهتم بالثقافة أعلنت إفلاسها المعنوي والإداري والمادي..
· ما رأيك بالمسرح الإماراتي؟
نجح المسرح الإماراتي في أن يحقق له مكانة محترمة ومتميزة خليجيا وعربيا، وتتوّجت هذه المكانة من خلال مهرجان قرطاج الذي يجمع المسرح العربي بشكل عام بعد أن فاز أحمد الجسمي بجائزة أفضل ممثل وسميرة أحمد بجائزة أفضل ممثلة، إضافة إلى المهرجانات العربية الأخرى تتميز فيها العروض المسرحية الإماراتية، بل أكثر من ذلك إن بعض الدول الخليجية استعانت بأعمال مسرحية إماراتية وأعادت تقديمها في بلادها، لكتاب ومخرجين ومسرحيين إماراتيين..
ولكن القضية أين؟؟ الآن وصل المسرح الإماراتي إلى الذروة، بالجيل المؤسس، لا بد اليوم من وقفة وتقييم المرحلة السابقة، والبدء بمرحلة جديدة يتطور معها ما يقدم للمسرح الآن، أولا سقف الحرية يجب أن يزداد، لأن المسرح هو منبر للحرية، ولا يستطيع المسرح أن يقوم بدوره الطليعي بالحراك الاجتماعي إلا من خلال مساحة حرية أكثر، وهو دونا عن بقية الأجناس الأدبية والإبداعية..الحرية هي التي تحدد كيفية تناول المؤلف أو المخرج للقضية أو الإشكالية، لماذا أقول هذا الكلام، لأنه في قضية وطنية حساسة تناولها أحد الكتاب الإماراتيين، وقدمت على المسرح وشعرت بأن هناك خجل ما من توسع بطرح القضية ، وأعتقد بأنها تعود إلى المساحة الضيقة التي شعر بها المؤلف والمخرج في تقديم هذا العمل، على الرغم من أنه يتعلق بقضية وطنية..وأنا أقول لو أن هذا المؤلف أو المخرج أتيح له مساحة أكبر من الحرية لكان العمل قد حقق نجاحا والتماسا مع الجمهور أكثر من ذلك ، لأن الجمهور كان يتساءل لماذا هذه الرمزية والدلالات وهذا البعد عن المباشرة الواقعية.. من الضروري اليوم ربط المسرح برؤية جديدة لشباب جديد وضخ دماء جديدة في المسرح الإماراتي، لأني لا أعتقد أن الجيل المؤسس سيستطيع أن يقدم أكثر مما قدم، فوجود دماء شابة في المسرح الإماراتي في التمثيل والإخراج والتأليف، لا بدّ أن تعطي دفعة أخرى تستمر فيها الحركة المسرحية في الإمارات إلى سنوات مقبلة..
· كيف ترى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في ظل الظروف التي تحيط به من فقر وكسل ومشكلات – كما يعبر عنه أعضاؤه -؟
لا يجوز لأي اتحاد كتاب في العالم أن يعتمد على سياسة التسوّل في دعم فعالياته ونشاطاته وخططه، ولكن كيف نستطيع أن نتفادى هذه الحالة؟ بالنسبة إلى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بدأ عملاقا ممن بدأوا الخطوة الأولى في تأسيسه، وأنا كنت مشاركا من خلال دعمي ومتابعتي للارهصات الأولى والسعي لتأسيس الاتحاد، أليس من المؤسف أن يعاني اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ماديا وإداريا وفنيا؟ وأنه كلما احتاج إلى تغطية بعض المصاريف، يذهب إلى إحدى المؤسسات أو إلى أحد الأثرياء! فمؤسسة مثل الاتحاد لا بد أن تتكىء على مردود مالي ورصيد مادي وأدبي ومعنوي قوي جدا ، أليس من المؤسف أن جائزة باسم غانم غباش تتأخر لمدة عام لصرف جوائز الفائزين بها؟ أشعر بالأسى لأن اتحاد الكتاب هو دائما النافذة الأولى والأساسية لثقافة وفكر وحضارة المجتمع.. هناك اهتمام بالمسرحيين كما هناك اهتمام بالتشكيليين، لا أدري إن كان هناك خطأ ما من الاتحاد، حتى أن أعضاءه الأساسيين لا يحضرون إلا في اجتماع الجمعية العمومية ونعاني أن لا يكتمل النصاب القانوني إلا في اللحظة الأخيرة..هناك إشكالية ما يجب بحثها على مائدة حوار بشفافية وبصدقية..لا يجب أبدا أن نسكت على الوضح الحالي لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات..إن العمل التطوعي أصبح لا مكان له في العالم، إذا أردت أن تكوّن مجلس إدارة اتحاد الكتاب، عليك أن تفرغ هؤلاء للعمل في الاتحاد ، وإلا كيف عليه أن يوفق بين وظيفته وبين اتحاد الكتاب، وبين تبنّيه لكل هذه النشاطات والفعاليات العربية والإقليمية والمحلية..
· كلمة أخيرة؟
أقول ما قاله الشاعر ناظم حكمت: إن أجمل الأيام هو يوم لم يأت بعد..
غدا دائما أفضل من اليوم كما أن اليوم أفضل من أمس، لا يمكن أن ننحاز إلا للحظة الراهنة ونستشرف المستقبل برؤية جادة شريطة أن تكون مؤمنا بالقضية وأن تكون تتكىء على أسس وركائز واضحة وشفافة.. فإني أكره الادّعاء..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق