الثلاثاء، 19 أبريل 2011

المثقفون العرب: للجغرافيا دور مهم في صنع التغيير والثورات



·   المنصف المزغني: اندلعت الثّوراتُ الثّلاثُ مع اعتبارٍ كبير لقاسِم الجغرافيا والجِوارِ، لكنّ القاسم المشترك الأعظم هُوَ الظُّلْمُ والجَوْرُ.
·   د: محمد الكحلاوي: الأمر لا يتصل دائما بالتقارب الجغرافي وإنما بالتجانس في مستوى البنى الهيكلية وطبيعة الأنظمة السياسية.
·       محمد الأصفر: الجغرافيا الالكترونية ساهمت بشكل كبير في نجاح هذه الثورات.
·   مصطفى عبدالله: للجغرافيا دور في انتقال شرارة الثورة من تونس إلى مصر، ثم عودتها من جديد غربا إلى ليبيا
·   مجدي بن عيسى: لها دور حاسم في مستقبل شعوب منطقتنا فلن يهنأ بعد الثورة هذه الثورات أيّ حاكم بحكمه.

كتب/محمد غبريس
لأنّ الشعوب العربية أرادت اليوم الحياة الكريمة والتحرر من براثن الخوف والظلم والحرمان، كان لا بدّ أن تنتفض من أتون الجراحات والعذابات، وأن تخلع ثوب الذل المهترئ، وترتدي بردة الكرامة الموشاة بدماء الشهداء، وكان لا بدّ أن تكسر القيد الكبير وتطلق سراح حناجرها وقبضات أيديها، لتنشد في كل الساحات والميادين، الإصلاح والتغيير ونبذ الفساد والعنف، بعد أن عانت الإهمال والتجاهل والاضطهاد لعقود طويلة، دون أي التفاتة إنسانية نبيلة، أو  أي اهتمام بمشاعر وحقوق ومتطلبات الناس، فمن خضمّ هذا  الوجع العميق اندلعت نيران الثورات الثلاث "التونسية والمصرية والليبية"، وها هي الشعوب تكتب من جديد ملحمة النصر والاستقلال، وتصنع تاريخها ومصيرها ومجدها، فيتضح لنا أن للجغرافيا دور كبير في صنع التغيير واسترداد ما أخذ بغير الحق والعدالة، وما تم استلابه أو تضييعه في كافة المجالات، دون رقيب أو حسيب، فعاث هؤلاء المسؤولون السابقون في أوطانهم فسادا ونهبوا خيراتها وثوراتها وهم مدركون وواعون لكل ما فعلوه وما اقترفته أيديهم الآثمة.
"دبي الثقافية" تستطلع أراء كوكبة من الكتاب والأدباء العرب حول دور الجغرافيا في صنع الثورات وإحداث التغيير والإصلاح!

حركة دائبة
من جهته قال الشاعر المنصف المزغني مدير بيت الشعر في تونس:طارت الثورة التونسية (14 جانفي) شرقا وحطّت في مصر (25 يناير) وفضّلت العودة برًّا وكان لابُدَّ من المرور على نظام ليبيا (17 فيفري) الذي يعرف عقيدهُ أنّ للجغرافيا تأثيرا، فقد احترق جَارَاهُ ليجد نفسه واقعا بين كمّاشتَيْ ثورتَيْن على الأخوَيْن المُزْمنَيْن.
وأضاف: إذا أراد الشعبان التونسي والمصري إسقاط الرئيس، فإنّ العقيد الليبي يريد إسقاط الشعب أرضًا، ليعلن الثورة على الشعب باعتبارِ شخصه رمزًا مزدوجًا للثورة والشعب !!
ولفت المزغني إلى أنّ الثورات الثلاث بدأت لكي لا تنتهي في يوم اندلاعها لأنّ الشعب، بقيادة الشباب، يُوَاصِلُ إسقاط ذيول الحكومة في تونس ومصر ويتسلَّح بالقدرة على المشاركة في جعل الثورة حركةً دائبةً بالحراسة واليقظة.
ثم قال: لقد دشنت الثورة التونسية عصر العولمة بثورتها التي استخدمتْ فيها الوسائط الحديثة بما جعلها سلطة رابعة رادعة، ولكنّ الفيسبوك لا يصنع الثورة، إنّه يُساعدُ عليها إن وَجَدت الثّورةُ أرضيّة خصبة لاشتعالها، وكان الفسادُ قد جاوز المدَى، فَسَرَح ومَرَحَ وشطَحَ في تونس ومصر وليبيا وهكذا اندلعت الثّوراتُ الثّلاثُ مع اعتبارٍ كبير لقاسِم الجغرافيا والجِوارِ، لكنّ القاسم المشترك الأعظم هُوَ الظُّلْمُ والجَوْرُ.

قطار القمع
أما الباحث التونسي  الدكتور محمد الكحلاوي فرأى أنه إذا وضع الفرد مسافة تفكّر في هذه الثورات التي شهدتها وتشهدها بلدان عربية إسلامية كثيرة، وأراد معرفة اندلاعها في فترة زمنية واحدة، وفي بلدان متقاربة عليه أن يتجاوز ذاك التفسير الأول الذي يرّد الأمر إلى تفاقم الظلم والقمع والحيف الاجتماعي إلى الكشف عن تلك العوامل الهيكلية والعميقة في  مستوى البنى الاقتصاديّة والاجتماعية وطبيعة الحياة السياسية ونوعية الخطاب الإعلامي السائد الرّسمي منه خاصة.
وأضاف:لقد كان كل شيء يجري في اتجاه ضمان مزيد استمرار لتك الأنظمة البائدة، ومنحها شرعية غدت فاقدة لها أو غير قادرة حتّى على امتلاكها مرّة أخرى لتفاقم الظلم والتمويه والمغالطة، وإهمال حقوق المواطنين لاسيّما الشباب منهم، ففي تونس وإن بذلت القوى السياسية المعارضة والممثلة للمجتمع المدني وبعض الشرفاء الوطنين ممن كانوا محسوبين على النظام جهودًا لأجل الإصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في السنوات الأخيرة، فإن قطار القمع والظلم والتلاعب بالأموال العمومية تجاوز كلّ تلك المساعي وهّمشها، وبقى يدعو إلى استمرار النظام السائد، وأظن أن الأمر نفسه أو يكاد كان قائما في مصر للتجانس في طبيعة البنى الهيكلية ونوعية الأنظمة ومظاهر الظلم، وتأثرت بذلك ليبيا التي ترزح تحت  نير حكم ديكتاتوري عسكري لتنتفض رافضة لذاك النظام الجائر.
وخلص الكحلاوي إلى أنّ الأمر لا يتصل دائما بالتقارب الجغرافي وإنما بالتجانس في مستوى البنى الهيكلية وطبيعة الأنظمة السياسية، واندلاع الثورة في اليمن الشقيق المشابه في حكمه لما كان في تونس ومصر يؤكد ذلك. وما نخلص إليه هو أن ارتفاع مستوى الوعي المدني لدى شبابنا، وتبادل المعلومة عبر أجهزة الاتصال الحديثة بسرعة من أسباب نجاح الثورات.

نار السلطة
من ناحيته اعتبر الروائي الليبي محمد الأصفر أنّ ما حدث في تونس ومصر وليبيا وسيحدث في عدة بلدان عربية ومن كل قارات العالم شيء متوقع جدا فالظلم والقهر والكذب على الشعوب ونهبها في وضح النهار وأمام أعينها شيء غير محتمل خاصة بالنسبة للجيل الجديد الذي يرى مستقبله الزاهر يتبدد من أمام عينيه من قبل عدة طغاة ولصوص سلطة وعسكر  خمسيني وستيني أكل عليه الدهر وشرب، خاصة أن هذا الجيل قد انفتح مبكرا على العالم من خلال السفر والدخول إلى شبكة المعلومات ومتابعته للفضائيات وبرامجها المتنوعة، يرى الحياة في التلفاز في العالم الآخر غير التي يعيشها في الواقع، يتواصل مع العالم الآخر ويتبادل معه الأفكار والرؤى، يسأل نفسه دائما ما الذي ينقصنا كي نعيش حياة كريمة، فتأتيه الإجابة ينقصنا الحرية، والحرية دونها نار السلطة الغاشمة، التي تخوفنا دائما بالاستعمار والرجعية والموساد والقاعدة وغيرها من الاكليشات التي تستخدمها ميديا الديكتاتورية وإعلامها الشمولي.
وأشار الأصفر إلى أنّ هذا الجيل الذي لم يتعلم جيدا ولا يجيد الخط والإملاء يرى الحياة الجميلة ويريد أن يعيشها ومن هنا حرق البوعزيزي نفسه تعبيرا عن تفاهة النار أمام الحرية، وهذه النار التي أحرقت البوعزيزي لم يعد الشباب يخافها وواجهها بصدر عار في تونس ومصر وليبيا وانتصر وانتزع حريته من مخالب السلطة ليمنح للعالم درسا يقول لا لليأس، لا للمستحيل، النار والحديد صنعهما الإنسان والذي صنعهما لن يعجز عن حرقهما وزرع الحرية في كل الربوع
فيما رأى الأصفر ان الجغرافيا الالكترونية هي التي ساهمت بشكل كبير في نجاح هذه الثورات، وبالنسبة لليبيا فجاءت كثالث ثورة بعد تونس ومصر لا علاقة لذلك بالجغرافيا بقدر أن هناك علاقة طريفة بنكتة تونسية قالتها إحدى فتيات تونس بعد نجاح ثورة مصر ساخرة من الليبيين حيث وقفت في تونس ووجهها ناحية ليبيا وقالت لليبيين في ليبيا " طبسوا " خلوني انشوف مصر .. وطبسوا بالدارجة الليبية معناها انحنوا وانخفضوا ولا تقفوا حتى تحجبوا عني رؤية الثوار المصريين ..
أضاف:معروف عن الليبيين منذ أيام الاستعمار الايطالي شجاعتهم النادرة حتى أنهم كما ورد في فيلم عمر المختار يربطون أرجلهم بالحبال حتى لا يتقهقروا أمام الدبابات قائلين " أهلا بالجنة جت تدنى .. فثورتنا والحمد لله لم تعرف استخدام الرصاص المطاطي لكبحها أو الماء الساخن أو القنابل المسيلة للدموع أو غيرها من وسائل مكافحة الشغب إنما جابهتها السلطة الدكتاتورية الغاشمة بالرصاص الحي الحارق الخارق وذخيرة مدافع الطائرات وحتى بالقصف الجوي مباشرة لكن الشجاعة هزمت النار ولم يخيب هذا الجيل عمر المختار عندما قال نحن شعب لا نستسلم ننتصر أو نموت.

إرادة الحياة
أما الكاتب المصري مصطفى عبد الله، رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب" فقال: مصريتي لن تمنعني من أن أقر بأن أحفاد أبي القاسم الشابي.. ابن توزر.. صاحب "إرادة الحياة" هم الذين أشعلوا شرارة الثورة في عالمنا في مطالع هذه الألفية الثالثة عندما هبوا منفجرين بعد نفاد صبرهم على ظلم الطغاة الذين سلبوهم الحق في الحياة الكريمة التي يستأهلونها كشعب واعٍٍٍ مثقف، جذوره تمتد في أرض العروبة، وترتفع فروعه في فضاء الدنيا الرحب.
ولولا إرادة هذا الشعب التونسي – يتابع عبدالله كلامه- ما نال بو عزيزي، الذي اعترض بإشعال النار في نفسه، كل هذه الأهمية، لأن نظام بن علي ألجأ مئات الأشقاء في تونس إلى أن يسلكوا نفس هذا الطريق من أجل الخلاص من قسوة الواقع وظلمه.
أضاف: من المؤكد أننا في مصر تأملنا ملياً درس تونس ونحن نغلي قبل أن نثور وننفجر. وأكاد أقول إن "باترون" تونس كان هو الدليل لثورتنا المصرية المباركة التي أطاحت بنظام ثابت الدعائم مستقر الأركان، نظام ما كان لأحد أن يتصور أنه يمكن أن يزول، وأن يزيل من تسول له نفسه أن يجاهر بمناهضته.
ثم أكمل عبدالله موضحا: وبهذا يمكن آلا ننفي دور الجغرافيا في انتقال شرارة الثورة من تونس إلى مصر، ثم عودتها من جديد غربا إلى ليبيا التي كان زعيمها أشد المساندين لبن علي حتى وهو يترنح في رقصته الأخيرة قبل أن يسقط، أو قبل أن يترك شعبه وبلده مشتعلاً لينجو بجلده.
واختتم قائلا: أتصور أن موقف القذافي من بن علي كان سببا قوياً من أسباب التعجيل بالثورة الليبية ضده.هذه الثورة التي تُستنسخ بنفس "الباترون" في اليمن والبحرين، وبدرجات أقل في أوطان عربية أخرى.

الحريق المبارك
الشاعر مجدي بن عيسى قال: أعتقد أنّ هذه الثورات كانت جاهزة للاندلاع خلال السنوات القليلة الماضية، بفعل عوامل كثيرة تضافرت خلال عقود الاستقلال، وانتظرت الشرارة التي أشعلت جسد البوعزيزي الناحل، ليندلع بعدها الحريق التونسيّ المبارك، والذي أشعل بدوره براكين عربيّة خامدة، وجدت في الثورة التونسيّة القادح المعنويّ لتنفجر بدورها.
أضاف: ما حدث في تونس ومصر وما يحدث في ليبيا، لم يأت من فراغ ولا صدر بعد فترة من الصمت، الصمت والخمول الذي بدت عليه الروح العربيّة خلال السنوات الطويلة السابقة كان عتمة أرادت الأنظمة المنهارة والتي ما تزال تقاوم انهيارها أن تظهر بها للعالم الحرّ، لتسوّق بها صورة يحبّ الغرب أن يراها فينا ليطمأن على استثماراته السياسيّة والاقتصاديّة، أقصد ديمومة المشروع الاستعماري والصهيوني في منطقتنا.
ورأى بن عيسى أنّ لقد الثورات كانت تحقّقا طبيعيّا، إن لم أقل حتميّا، لتوازن مختلّ بين شعوب شابة في معظمها تربت وتثقفت على عدد من القيم الكونيّة التي تعلي من قيمة الفرد وحرياته، وبين حكومات شاخت ولم يعد بمقدورها أن تستوعب وتهضم المتغيرات العالميّة الجديدة من حولها وتترجمه إلى سياسات قادرة على الاستجابة لطموحات شعوبها وتطلعاتها إلى الحرية والكرامة والعدالة.
وأشار إلى أنّ للجغرافيا في هذا السياق دور حاسم في مستقبل شعوب منطقتنا فلن يهنأ بعد الثورة التونسيّة المباركة أيّ حاكم بحكمه، إلاّ إذا استطاع أن يتدارك أمره، وهي مهمّة صعبة إذا لم نقل مستحيلة أمام اللهيب المستعر الذي يمتدّ بسرعة في أرجاء الأقطار العربيّة، في مقابل خمول راسخ في دواليب مؤسسات الحكم، وقصر نظر مزمن لدى الساسة والحكّام، وسيخطأ أغلبهم التقدير إذا حسب أنّ الأمر متعلّق ببضعة ملايين من الدولارات تقدّم للشعوب في شكل هبات "سلطانيّة" أو استثمارات اقتصاديّة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق