الثلاثاء، 19 أبريل 2011

أدوات حديثة لثقافة الثورات



الياسمين والتحرير تسقطا كلّ نظريات المثقف العضوي


·   د.عبد السلام المسدي: ثورة الاتصال الإلكتروني خلقت واقعا جديدا مفعوله كمفعول السحر، وقد سخرها الجيل الجديد لمقاومة المؤسسة القمعية.
·   هويدا صالح: ستدخل الثورة المصرية التاريخ ليس فقط لأنها إرادة شعب انتصرت بقوة، بل لأنها أول ثورة تستفيد من التكنولوجيا الحديثة.
·       د.محمد بدران: أظهرت الثورة المصرية أثر التقنية الحديثة في تحريك الشعوب
·   أحمد فضل شبلول: شباب مصر أسقطوا كل نظريات الثقافة وتنظير المثقفين، وثورتهم جاءت متسقة مع مفردات عصرهم، عصر الاتصالات والإنترنت.

تحقيق/محمد غبريس
هذا هو الشباب العربي الحقيقي، وما أدراك ما الشباب العربي، لقد فاجأ العالم بأسره، وأدهش الداني والقاصي، ودحض كل الأقاويل المشينة التي  طالت سلوكه وواقعه ومستقبله منذ سنوات عدة، إذ حوّل المقاهي وشاشات الانترنت وأجهزة المحمول إلى مركز قيادي لا مثيل له تمّ من خلاله إطلاق الثورة الشعبية، مرفقة بعملية المواكبة والتنسيق ورصد التطورات والمستجدات، لكن أين المثقف العربي من كل ما جرى قبل الشهور الماضية القليلة حتى الآن؟ لقد استطاعت الثورتين التونسية والمصرية، أن تفضحا الكثير من الكتابات والمقالات والخطابات والمقابلات المضجرة، ومن كان يدعو إلى مواجهة الظلم وصنع التغيير، ظلّ حبيس كتبه وشعاراته وذكرياته، لأنّ دور الكثير من المثقفين في مرحلة الثورات الحقيقية لم يكن بمستوى الطموح والفعل والإرادة القوية، وكشفت هذه الأيام الرائعة، على الفجوة الكبيرة بينهم وبين التقنية الحديثة، إلا ما رحم ربي، وبعد أن كان المفكرون يصنعون الثورات وفي جعبتهم الكثير من الأمل والقليل من اليأس، ها أتى اليوم الذي اتجهت فيه البوصلة إلى مكان آخر، حيث الفايس بوك وتويتر وكل التقنية الحديثة، يكون لها الدور الرئيس في نصرة الشعوب المظلومة وتنمية المجتمع وإعادة بناء ما هدمته الأيادي القاتلة والقلوب الفاسدة.
من هنا حملنا أسئلتنا وتوجهنا بها إلى عدد من المثقفين المصريين والتونسيين، واستطلعنا آراءهم في الثورة ودور التقنية الحديثة؟

فضاء الحرية
أكد الدكتور عبد السلام المسدي أنّ الثورة التونسية حدث استثنائي بكل دلالات الاستثناء؛ جاء منعتقا من سلطا الزعامة التي تقود الجماهير، ومن
المنظومات الحزبية التي تشحن الاندفاع، ومن كل زخم الإيديولوجيا الذي يلهب المشاعر ويدفع إلى الفداء. وهو حدث سيقرأ له حسابه في تاريخنا العربي؛ لأنه خذل أقانيم عتيدة مكينة: مؤسسة الاستخبارات المحلية والإقليمية والدولية، والمؤسسة الدبلوماسية بكل ثقلها وامتداداتها، ومؤسسة الرصد الاستراتيجي والتنبؤ الاستشرافي.
أضاف:إن كان في المستقبل رهان فهو الرهان على الإصلاح السياسي الدائم في الوطن العربي، وذلك بتحريره من بلاغة المجاز وخطابة صناع القرار؛ كي ندفع به نحو فعل الاختيار، ثم الإذعان الطوعي إلى ما تبوح به صناديق الاقتراع، إنه رهان الخروج من رق الضرورة إلى فضاء الحرية.علينا - نحن المثقفين العرب - أن نتحلى بالجرأة الكاملة؛ إن كنا قد ناضلنا في سبيل خلق وعي جديد فلنا أن نواصل نضالنا متواضعين، وأن نطلب من جماهيرنا العربية أن يغفروا لنا أننا أسأنا الظن بهم حتى كدنا نيأس منهم، وإن كنّا فيما مضى قد انخرطنا في حزب الرضى كي نستفيد من عائداته فعلينا أن نؤدي كفارة الصمت ولو إلى حي.
وحول ثورة الاتصال الإلكتروني، قال د. المسدي: قد خلقت واقعا جديدا مفعوله كمفعول السحر، ولا ننس كيف كانت التقنيات الحاسوبية الأداة الجبارة بيد الأجهزة الأمنية تمارس بها سطوتها القمعية محليا ودوليا، وها هي وسائط الاتصال قد سخرها
الجيل الجديد لمقاومة المؤسسة الأمنية ذاتها فيما هو رمز لإرهاب الدولة، فكأنما السحر قد انقلب على الساحر.

الوعي الكبير
من جهتها قالت الروائية المصرية هويدا صالح التي شاركت في ثورة 25 يناير، وعاشت تفاصيلها لحظة بلحظة: رأيت زحف تلك الجموع الصاعدة نحو الضياء والتي تدوس بأقدامها كل آثار الاستبداد، رأيت تلك الجموع التي  بدأت الدعوة لتجمعها على شبكة الإنترنت عبر "جروبات" للناشطين الشباب شباب لم يتلوثوا بأكاذيب الساسة وألاعيبهم، شباب ليس لديهم مصالح أو حسابات فقط لديهم مساحة من الوعي الكبير، كنت جزءا من هذه الجروبات بحكم علاقتي الوثيقة بالميديا بدأت بتسويق الفكرة بين المثقفين الذين لم يتحمسوا في بادئ الأمر للفكرة أو ربما لم يصدقوا تماما أن هؤلاء الشباب الصغار   قادرون على تحريك الجموع، لاحظت أن بعض المثقفين يتعاملون مع الأمر بسخرية لا تليق، فوجهت لهم نداء عبر الفيس بوك أن ينضموا إلى حركة الشباب التي حددت يوما للتظاهر هو 25 يناير، يناير الغضب  ومن لن ينضم، فعليه أن يصمت ولا يسخر  وقد استجاب بعض المثثقين ووجدتهم بيننا في يوم الثلاثاء الغاضب وبعدها أدرك المثقفون أن رياح التغيير والتحرير إن شئت تهبّ الآن من ميدان التحرير، فبت كل يوم أنزل للتظاهر والاحتجاج، حيث أجد الكثيرين منهم، فكنت أفرح ها هم الأدباء صدقوا وآمنوا بهؤلاء الشباب وبات الذهاب للميدان موعدا نضربه بين بعضنا بعضا فكل يوم نتحدث ونتفق أن نتقابل في المظاهرة  وهكذا على المثقف أن يكون ضمن حركة الجماهير ولا يعزل نفسه عنها فهو جزء من هذا الشعب الذي يهب قويا متعملقا.
أما عن موقف المثقف المصري فقد تباين- تابعت هويدا كلامها- بعض المثقفين كانوا على مستوى الحدث، ونزلوا مع الشباب منذ يوم 25 يناير، لكن عددهم قليل للأسف الشديد، في حين أن الغالبية العظمي من المثقفين المصريين ظلوا في صمت وحياد إلى أن أثبتت الثورة أنها ثورة حقيقية وليست مجرد تظاهرات واحتجاجات.
وأشارت إلى أنّ اتحاد الكتاب المصريين للأسف كان موقفه مخجلا مشينا، فلم يشارك أحد من أعضائه في مظاهرات يوم 25 يناير ، وحين عدت للمنزل فجر 26 يناير وانتقدتهم بشدة على الفيس بوك، وأنهم لم يشاركوا الشعب ثورته، ووقفوا موقفا سلبيا سارع الاتحاد بإصدار بيان تضامن مع المتظاهرين، ورفض اعتقالهم. ولكنهم عادوا للصمت أياما طويلة. لم يتحركوا ثانية إلا بعد أن دعوت على الفيس بوك الكتّاب المستقلين عن الاتحاد إلى الاعتصام أمام المجلس الأعلى للثقافة، ثم الاتجاه إلى ميدان التحرير.
أضافت:تنبه الاتحاد ثانية لموقفه المخزي، فقرر أن يخرج بمسيرة من الاتحاد متجها إلى ميدان التحرير، انضموا إلينا ونحن خارجون ككتاب مستقلين من المجلس الأعلى، متجهين إلى الميدان. لكنه أيضا كان انضماما مشينا، حيث ساروا يثرثرون في هدوء ونحن خلفهم نهتف بسقوط النظام، فاضطررت ثانية إلى تعنيفهم واتهامهم بأنهم جاءوا فقط للوقوف أمام كاميرات الفضائيات.
وحول دور الميديا الحديثة في قيام هذه الثورة، أكدت صالح أن الوسيط الإلكتروني كان فاعلا بشدة في نجاح تلك الثورة، وأضافت: ستدخل هذه الثورة التاريخ ليس فقط لأنها إرادة شعب انتصرت بقوة على نظام دكتاتوري شمولي، بل لأنها أول ثورة تستفيد من التكنولوجيا الحديثة، حتى أن العالم المصري العالمي أحمد زويل وصفها بأنها فيس إيجبت.

التقنية الحديثة
أما الشاعر والناقد المصري الدكتور محمد بدران فرأى أنّ الثورة المصرية أوجدت قيـادة الشباب وقضت على النظرة السلبية التي كان المجتمع يرى فيها الشباب ليكتشف الجميع طهارة هذا الشباب وانتماءه للوطن والحـرية، كما أظهرت أثر التقنية الحديثة في تحريك الشعوب، وأن الحجب والمنع للفـضاء التقني مسـتحيل، كمـا أن رهـان المسـتقبل مرتبـط بالوعي الثقافي لمنجزات الثورة وتحقيق آمالها.
أضاف: أظن أن دور المثقف في حالة غياب لأنه لم يعد مؤثرا، لقد أخذ الشباب صاحب الثقافة التقنية زمام الأمر وغدوا  رواد الثقافة أما المثقف العربي فأخذ دور المتفرج على ميدان التحرير منتظراً النتائج لأن تقنيات العصر الحديث تجاوزت دوره الفاعل، لأنّ عددا كبيرا من المثقفين يقاطعون التقنية الحديثة التي يرونها مضيعة للوقت وأنها تعادي الورق .. لذا على المثقفين العودة إلى الجماهير وإلى التقنية.
واختتم د. بدران بالقول:إن أهم منجزات الثورة أنّها كشفت الجبن والخوف في أقلام مثقفينا، وأدعو إلى لجنة مراقبة اتجاه الكُتاب والمثقفين لتقارن بين ما كتبوه قبل الثورة وبعد الثورة لنكتشف أن معظمهم منافق وجبان .

مفاجأة مذهلة
من ناحيته قال الشاعر والباحث المصري أحمد فضل شبلول: لا أبالغ إذا قلت إنني كنت أتوقع أن تثور مصر على كل الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها طوال العقود السابقة، وكان السؤال الذي يتردد دائما بداخلي: مَنْ يثور ومتى وأين وكيف .. وأجهزة القمع موجودة في كل مكان؟ هل وهل وهل .. أسئلة كثيرة كانت تطرح نفسها. إلى أن فعلها الشباب، وكان الجميع لا يتوقع ذلك، لأننا كنا نصفه بالاسترخاء واللامبالاة وعدم الانتماء والولاء للبلاد، وإنفاق معظم وقته ما بين المقاهي وشاشات الإنترنت.
أضاف:لكنه فعلها بكل الجدية والإخلاص والولاء، وكانت المفاجأة مذهلة للجميع، مفاجأة لنا (نحن الآباء) وللكتاب والمثقفين والإعلاميين، والمفاجأة التي أربكت الجميع، أن ثورة الشباب جاءت متسقة مع مفردات عصره، عصر المعلومات والاتصالات والإنترنت والأجهزة المحمولة، التي لم يُجِدْ استعمالها معظم الأجيال السابقة، وسرعان ما فهمت الأجهزة القمعية ذلك فأوقفت العمل بشبكة الإنترنت وشبكات الموبايل، ولكن الشباب كان أكثر ذكاء وسرعة تصرف، وعرفوا كيف يتواصلون دون هذه الأجهزة.
ورأى شبلول أنّ شباب مصر أسقطوا كل نظريات الثقافة وتنظير المثقفين والمفاوضين، وتعاملوا بمنطقهم هم وثقافتهم هم. ومن هنا رأينا أن المثقفين كانوا تابعين ولم يتقدموا المشهد، بل كانوا خلفه، ومن بعيد.
تابع بالقول:لم يستشهد مثقف مصري واحد أو كاتب واحد، لأن المثقفين كانوا ـ كما رأيناهم ـ في الخلف، وعندما اطمأنوا لنجاح الثورة بعد أيام من اندلاعها، خرج بعضهم إلى ميدان التحرير، وأصدروا البيانات والتصريحات، وتفاعلوا مع الشباب، ولكن للحق أقول إن اتحاد كتاب مصر كان أول نقابة مصرية تصدر بيانا مؤيدا لثورة الشباب في أول يوم. ولكنه لم يكن وسط الميدان معهم، ولم يتعرض مثقف أو كاتب أو أديب لحملة الجِمال والحمير التي تعرض لها شبابنا في تلك الليلة السوداء الحزينة.
لذا أستطيع أن أقول إن تلك الثورة لم تكن ثورة مثقفين، وإن دور المثقف كان تاليا في المواجهة، بل إن عددا آخر من المثقفين والإعلاميين والفنانين أراد أن ينفي الثورة وهي في أوج اشتعالها.
ولكن من ناحية أخرى أستطيع أيضا أن أقول إن هناك بعض الكتابات والأعمال الأدبية والفنية والدرامية أسهمت على مدى طويل في صناعة الثورة، والدليل على ذلك أن شبابنا في ميدان التحرير كانوا يتغنون بأغاني ثورة يوليو وبأغاني الشيخ إمام وعبد الحليم وأم كلثوم، وغيرهم، بل كانوا ينشدون بلادي بلادي. وأنا الشعب لا أعرف المستحيلا، ولا أستطيع أن أنكر تأثير أفلام خالد يوسف على سبيل المثال الذي يفضح فيها المجتمع ويغوص فيها إلى الأعماق التي أراد النظام تجميلها وأنه "كل تمام يا ريس".
وحول رهانات المستقبل، رأى شبلول أنها كثيرة ومتعددة، وقال: إننا نراهن على هؤلاء الشباب في نهضة المجتمع المصري وإعادته إلى موقعه الحقيقي، لقد أثبت الشباب ولاءهم وحبهم الكبير لمصر، وأنا على ثقة أنهم سيقودون البلاد إلى آفاق عصرية جديدة لا زلنا نحلم بها.إن ثورة يناير بداية مرحلة جديدة في عمر مصر، تتطلب منا كل الجد والاجتهاد واليقظة للحفاظ على مكتسباتها، وأعتقد أنه لا وقت للبكاء، كما قال أمل دنقل، ولا وقت لتصفية الحسابات، ولنمض إلى الأمام، فالمستقبل في انتظارنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق