الأحد، 23 يناير 2011

المفكر الليبي الدكتور سليمان الغويل:أشعر بالخذلان على ما انتهت إليه أمتنا


أمين اللجنة الإدارية لمجلس الثقافة العام بالجماهيرية


-         يتولى مجلس الثقافة العام مسؤولية نشر كتب الكثير من الكتاب الأدباء، التي سوف تتجاوز مع نهاية هذه السنة أكثر من 350 كتاباً في مختلف ضروب الثقافة والمعرفة.
-         سرّ بقاء هذه الأمة وعنفوان مقاومتها للغزو الأجنبي من صميم الشأن الثقافي والمعرفي للإنسان العربي.
-         تعاني مجلة " الثقافة العربية " صعوبات الانتشار الأفقي خارج الجماهيرية الليبية،  نتيجة لصعوبات  جمّة في آليات توزيعها في بعض الدول العربية.
-         تشهد الجماهيرية  نهضة ثقافية غير مسبوقة على مختلف الأصعدة ، فثمة منجزات مبهرة، ومؤسسات ثقافية متعددة، لا يستطيع أي مكابر نكرانها أو طمس معالمها.
-         كفلت القوانين  الليبية أكبر قدر ممكن من الحرية الواعية والمسؤولة في الطباعة والنشر وحرية الحوار وتبادل الأفكار وديقراطية التنوع.
-         المرأة في ليبيا تبوّأت مناصب و تقلدت وظائف لم تحلم بها المرأة في كثير من المجتمعات الأخرى.


حوار / محمد غبريس

يتحدث أمين اللجنة الإدارية لمجلس الثقافة العام بالجماهيرية المفكّر الليبي الدكتور سليمان الغليل بصراحة كبيرة ممزوجة بالتواضع والتألق، عن  الحالة الثقافية في ليبيا، فيسلط الضوء على بعض جوانبها، ويجيب على الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهن كل واحد منا، ويزيل النقاب بجرأة وحرية عن أمور متعددة يكاد يجهلها المجتمع الشرقي لظروف باتت معروفة عند الجميع، فأثار في حوارنا معه شهيتنا على طرح الكثير من الأسئلة، لكن لضيق الوقت والصفحات، التزمنا بأهم ما خطر على بالنا وما قمنا بتحضيره، فكان الدكتور عبر اعتنائه الشديد بالإجابات، المتمكن والأستاذ الجامعي والقانوني والمعلم  والمسؤول، فهو الذي خبر الحياة الثقافية العربية في مختلف علومها وفنونها، واطلع والتمس عن كثب من خلال مواقعه المختلفة التي كان يشغلها، على أحوال وأخبار المثقفين والمبدعين الليبيين والعرب.
مجموعة من الأسئلة والاستفسارات حملناه إليه، بدءا بالوقوف عند تجربته الغنية ثم الولوج إلى مجلس الثقافة العام بالجماهيرية وما يحمله من نشاطات وأهداف، مرورا بالمشهد الثقافي الليبي ثم الحالة الراهنة الدقيقة التي تمرّ بها الأمة العربية وصولا إلى واقع المرأة الليبية اليوم.
قبل أن نعرّج إلى ما ورد في لقائنا معه، دعونا نتوقف في البداية عند تجربة الدكتور سليمان الذي تحدث عنها قائلا: بداية أتشرف دائماً بتقديم نفسي أستاذاً جامعياً، لقناعتي لما لهذه الصفة من مكانة اجتماعية وقيمة ثقافية وما تعنيه من حصافة ومسؤولية تجاه المواطن والوطن، لاسيّما وأنني معلم في مجال الدراسات القانونية، فالمستشار مؤتمن والمعلم كذلك، أو فوق ذلك..يقول شوقي :
و إذا المعلم ساء لحظ بصيرة         جاءت على يده البصائر حولا
فالدراسات القانونية وثيقة الصلة بالمجالات الأدبية، لأنّها جميعاً تعنى باللغة وكل حرف فيها له دلالة خاصة وأبعاد متنوعة، ويترتب عليه مسؤوليات جمّة، ومن هنا كانت حقيقة العلاقة الوثيقة بين القانون والأدب، وقد تبوّأت شخصيات قانونية مكانة سامقة في المجالات الأدبية من أمثال مكرم عبيد والسنهوري وكامل المقهور و نزار قباني.
يضيف: أما على صعيد تجربتي المتواضعة فكانت بداياتي ببعض المقالات والبحوث القانونية والسياسية التي نشرت على صفحات مجلة الثقافة العربية، وبعض الصحف المحلية في بداية الثمانينات وقد انقطعت عنها لانشغالي بالدراسة العليا في الخارج وعودتي بعد ذلك للانهماك في الشأن الأكاديمي الجامعي إلى أن عدت من جديد للكتابة، وعلى الأخص بمجلة الثقافة العربية وقد صدر لي سبعة كتب، كما نشرت العديد من البحوث القانونية والسياسية والثقافية في مجلات ودوريات متعددة.

** نريد أن نتعرف من خلالكم إلى مجلس الثقافة العام بالجماهيرية، بدءاً من نشأته مروراً بأهدافه وصولاً إلى نشاطاته وخاصة الحالية والمستقبلية؟
- مجلس الثقافة العام هو أحد المؤسسات الثقافية الجماهيرية التي تعنى بالشأن الثقافي على المستوى المحلي والخارجي،  وقد جاء هذا المجلس نتيجة لتجربة غنية وثرية لمجلس تنمية الإبداع الثقافي، إذ حلّ محله في استكمال مشروعاته الثقافية والنهوض بمسؤولياته الأدبية والفنية والتخطيطية .وقد نشأ مجلس الثقافة العام بموجب قرار مؤتمر الشعب العام رقم ( 16 )لسنة 2005 م بوصفه هيأة تابعة ـ بشكل مباشرـ  لهذا المؤتمر، وهو يتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمّة المالية المستقلة متخذاً من مدينة " سرت " مقراً رئيساً له بالإضافة إلى فروع أخرى في بنغازي وطرابلس، وقد أناط مؤتمر الشعب العام ـ  باعتباره المؤسسة الديمقراطية التي تجسد إرادة الشعب  قاطبة على قدم المساواة ودون أي استثناء وفي جميع وظائف الدولة من إدارة وتشريع وقضاء ـ بمجلس الثقافة العام الاضطلاع بجملة من المسؤوليات الثقافية ـ المحلية والخارجية ـ حددها على سبيل الحصر في المادة الثالثة من القرار السالف ذكره ، من بينها : وضع الخطط التي من شأنها التوظيف الأمثل لمختلف الوسائل الثقافية والوسائط المعرفية، لنشر الثقافة الجماهيرية وترسيخ قيمها الإنسانية في الداخل والخارج، واقتراح السياسات والخطط الثقافية ـ التي من شأنها تنمية المعرفة الإبداعية ـ على المؤتمرات الشعبية الأساسية محط السلطة والسيادة في الجماهيرية الليبية، ومتابعة تنفيذ السياسات الثقافية العامة التي من شأنها المحافظة على تقاليدنا وتراثنا الديني والقومي، وما تنتهي إليه المؤتمرات الشعبية في الجماهيرية من قرارات متعلقة بالشأن الثقافي، وإعداد الدراسات والبحوث  التي من شأنها تيسير سبل المعرفة والإبداع الأدبي والفني، وترسيخ قيم الثقافة الجماهيرية والمعارف الإنسانية..
أما فيما يخص السؤال عن نشاطات المجلس الثقافية، فهي كثيرة ويصعب حصرها في هذه المحاورة ، إذا إنّه لا يمرّ شهر دون أن ينظم فيه المجلس نشاطاً ثقافياً عاماً أو خاصاً، حيث اضطلع منذ بداية عهده وفي الشهور الأولى برعاية الاجتماع العام لاتحاد رابطة الأدباء والكتاب العرب في بنغازي، وتولى تنظيم ندوة عربية حول ثقافة الطفل، كما قام برعاية وتنظيم معرض دولي نوعي للكتب المتخصصة في ثقافة الطفولة،  ولعلّ من أهمّ المحطات الثقافية للمجلس توليه تنظيم مهرجان التراث في مدينة " شحات " التاريخية، هذا المهرجان الضخم الذي ضم أكثر من 1500 مشارك وحضره أكثر من 10 آلاف شخص، حيث تضمن العديد من المحاضرات الثقافية في التراث بالإضافة إلى ورش العمل الفنية، وقد تم توثيق فعالياته في موسوعة تراثية تعتبر مرجعاً أساسياً للباحثين في هذا الشأن، يضاف إلى ذلك ندوة:( الأغنية سيرة وطن ) التي نظمت في مدينة "سرت" وقدمت فيها العديد من الدراسات والبحوث القيمة بالإضافة إلى الندوة الدولية التي نظمت في مدينة "سرت" أيضا تحت عنوان ( حرية التفكير وحق التعبير ) والتي شارك فيها نخبة من  المفكرين والأدباء العرب والأفارقة، وندوة السرد القصصي و الروائي التي نظمت في طرابلس بالتنسيق مع الأشقاء في تونس وبمشاركة نخبة من النقاد والأدباء العرب، وغير ذلك الكثير مما يصعب حصره .
ولعل ما هو جدير بالتسجيل لمجلس الثقافة العام، توليه مسؤولية نشر كتب الكثير من الكتاب الأدباء التي سوف تتجاوز مع نهاية هذه السنة أكثر من 350 كتاباً في مختلف ضروب الثقافة والمعرفة، إذ قام المجلس بإهداء نسخ منها لمعظم المكتبات والمراكز الثقافية المحلية والعربية والدولية من باب تحقيق سياسة الانتشار الأفقي للثقافة والتعريف بإبداعات وكتابات الكتاب والأدباء في ليبيا، وتنظيم احتفاليات التوقيع للمؤلفين ، وإقامة الندوات بشأنها.
أما عن النشاطات الثقافية المستقبلية للمجلس، فهي كثيرة ومتنوعة يمكننا ذكر بعضها مما هو قيد التنفيذ الفعلي ، وفي مقدمة ذلك شروع المجلس في تنفيذ مشروع إصدار المجموعة الثالثة من كتبه التي بلغ عددها 200 كتاباً، ولا ريب في أن هذا العدد الكبير سوف يسجل للمجلس سبقاً لم يكن لأي مؤسسة ثقافية عهد به، وسوف تشمل مختلف أجناس الثقافة والأدب من شعر وقصة ورواية ونقد وثقافة عامة، لجميع الكتاب من المبدعين الكبار والواعدين في بداية مشوارهم الثقافي، على أن تتوافر في هذه الإصدارات الشروط الضرورية للنشر، وذلك من خلال تقويمها من قبل لجان متخصصة في هذا الشأن .
كما يزمع المجلس في خطته للنصف الثاني من هذه السنة تنظيم عدة مهرجانات وندوات،  يأتي في مقدمتها المهرجان الكبير للفنون التشكيلية الذي سوف ينظمه المجلس بمناسبة افتتاح أكبر قاعة للفنون التشكيلية في ليبيا ـ إن لم تكن في الوطن العربي ـ  بمجمع المجلس الثقافي في بنغازي، التي سوف تعرض في افتتاحها أكثر من مئة وخمسين لوحة لفنانين ليبين من أجيال متعاقبة ومدارس متنوعة، وسيدعى لهذا المهرجان الأول من نوعه مجموعة من النقاد الكبار في هذا المضمار وستلقى فيه مجموعة من المحاضرات في الفنون التشكيلية. إلى غير ذلك من النشاطات الثقافية التي يخطط المجلس لتنفيذها في هذه السنة والتي لا يتسع المقام لذكرها .

** ما موقفكم من الحالة الراهنة الدقيقة التي تمرّ بها الأمة العربية مستهدفة في أعز ما تملك وهو ثقافتها ؟
- ما عساك تتصور أن تكون الإجابة على هذا السؤال،  سوى القول بأنه ليس ثمة إنسان ينتمي إلى هذا الوطن وهذه الأمّة لا يشعر بالمرارة والأسى والخذلان على ما انتهت إليه أمتنا من عجز وهوان بعد رفعة وعلو شأن، بعد ما كان لها من مكانة سامقة في قديم الزمان مازالت تذكر به في كل مكان ، ولن يكون أمام أي مثقف ينتمي إلى هذه الأمة سوى المزيد من العمل لتحقيق الأمل لأجيال الحاضر والمستقبل .

** برأيكم ما الخطوات اللازمة للتصدي لهذه الحالة،  وأين دور المثقف العربي ؟
- ثمة خطوات كثيرة وخطيرة ينبغي النضال من أجلها وهذه لا مناص لتحقيقها من دون الشعور بالمسؤولية التاريخية لأبناء هذه الأمة قاطبة، وهذا لن يكون إلا بالوعي بها وإدارك أبعاد حالة الأمة الراهنة وما سيؤول إليه حالها إن استمرت في التردي من السيئ إلى  الأسوأ.
ولاغرو في أن مناط الوعي بالمسؤولية هو من صميم الشأن الثقافي والمعرفي للإنسان العربي، ولعلّ في ذلك سرّ بقاء هذه الأمة وعنفوان مقاومتها للغزو الأجنبي لما يزيد عن نيف ألف سنة ماضية، فهوية الأمّة العربية وصمودها إنّما يعتمد بالدرجة الأولى على قوة ثقافتها الدينية وسجاياها التاريخية وقيمها الروحية، المعين الذي لا ينضب إذ يمدها بقوة الإرادة والصمود، مما يجعلنا نؤكد دائماً وأبداً أن القوة الحقيقة والباقية إنما هي قوة الإرادة الروحية، التي تعتمد على مستوى المعرفة ومدارك الثقافة لدى كل مواطن في هذه الأمّة والتي من شأنها تحقيق البناء المادي لها والتضحية من أجلها وتحقيق وحدتها التي كانت بها قوتها فيما مضى،  وقد أدى تفككها إلى ما لحقها من ضعف وهوان ولن يكون لها قوة وشأن إلا بها أياً كانت الصفة العملية لهذه الوحدة القومية فيدرالية أو كونفيدرالية أو مؤسسة من خلافة إسلامية، المهم هو توحيد الكلمة التي من شأنها تحقيق التوظيف الأمثل للإمكانات الجبارة لهذه الأمة العظيمة وهذه  مسؤولية المثقف العربي قبل غيره باعتباره الأكثر قدرة على التغيير والتدبير والبناء والنماء والاستنهاض والعطاء، فدور المثقف أن يثقف ويعلم من حوله من أبناء جيله زاد الحاضر وأمل المستقبل وأحسب أن الشاعر الكبير أحمد شوقي هو خير من عبر عن ذلك في بلاغة نادرة بقوله:
وعلّم ما استطعت لعلّ جيلاً            سيأتي يحدثُ العجبَ العجابا  .

** بوصفكم مشرفاً عاماً على مجلة الثقافة العربية، ما الضوابط المتبعة من قبلكم في عملية نشر الإبداعات؟
- مجلة الثقافة العربية من المجلات العربية العريقة التي تجاوز عمرها أكثر من أربع و ثلاثين سنة، وشهدت ثنايا صفحاتها إبداعات متنوعة لكثير من الكتاب والأدباء الكبار من جميع أقطار الوطن العربي وما تزال، وذلك بفضل انفتاحها على جميع أطياف الثقافة العربية التي تندرج ضمن إطار الشعار الذي ترفعه وهو( ثقافة عربية أصيلة وفكر إنساني متفتح ) وهو إطار واسع جداً يستوعب جميع الاتجاهات السكولاستيكية والمذاهب الفكرية والمدارس الثقافية التي تحترم حقوق الإنسان الأساسية وحرياته العامة وتبتعد عن الريدكالية الفكرية والركون إلى الشطط الشخصي أو الجنوح النخبوي عن الآفاق العامة للمعرفة الإنسانية النقية .
ومن ثمّ  فإن كل ما يندرج ضمن الإطار العام لشعار هذه المجلة ويسدي خدمة للمجتمع العربي والإنساني سيكون محل الترحيب في هذه المجلة، إذا ما استوفى الجوانب الأخرى، الأدبية والفنية،  التي يفترض توافرها في أية مجلة محكمة في مكانة مجلة الثقافة العربية وعراقتها، ونحن ــ  مشرفاً وهيأة تحريرـ نجدد دعوتنا ونرحب بأي مشاركة في هذه المجلة .

** بعد صدور نحو( 283 ) عدداً من مجلة " الثقافة العربية " ماذا تقولون ؟ ولماذا لا نرى المجلة منتشرة على امتداد الوطن العربي ؟
- لاشكّ في أن صدور أكثر من (283 ) عدداً من مجلة الثقافة العربية إنما يؤكد على ما أنجزته المجلة للمكتبة الثقافية الليبية كافة والعربية عامة، وما أتاحته من منابر لكثير من الأقلام الواعدة التي قدمتها للمشهد الثقافي العربي ، وما أسهمت به من حراك معرفي على الصعيد المحلي والعربي، إلا أنه علينا أن نعترف بما تعانيه هذه المجلة من صعوبات الانتشار الأفقي خارج الجماهيرية الليبية،  نتيجة لصعوبات  جمّة في آليات توزيعها في بعض الدول العربية، هذه الصعوبات من شأنها الحؤول دون وصولها إلى قرائها في هذه الأقطار، والتي نعمل على تذليلها بالتعاون مع الأشقاء العرب وكلنا تفاؤل في تجاوزها  في الشهور القادمة إن شاء الله، وبذلك تصل المجلة العريقة إلى  قرائها وكتابها في معظم أقطار هذا الوطن الكبير .

** كيف تقرؤون المشهد الثقافي الليبي اليوم؟ وكيف ترون مستقبل الجيل الجديد في نواحي الفكر والأدب والفن؟
- إن قراءتي للمشهد الثقافي الليبي، باعتباري من مواطني هذا البلد الأبي، ومن المشاركين في فعالياته الثقافية الخاصة والعامة وغيرها، وممن يضطلعون بقدر من مسؤولية الشأن العام فيه، أؤكد أن ما تشهده الجماهيرية من نهضة ثقافية على مختلف الأصعدة لم يسبق لها عهد به، فثمة منجزات مبهرة، ومؤسسات ثقافية متعددة لعل أهمها: مجلس الثقافة العام، وأمانة الثقافة والإعلام، والمركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، وجمعية الدعوة الإسلامية، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية الأكاديمية، والمراكز البحثية والدراسية التي يضطلع كلٌ منها بخصوصية ثقافية معينة تتيح للأدباء والكتاب والمثقفين منابر متعددة وآليات متنوعة للمشاركة الثقافية،  فضلا عما تصدره هذه المؤسسات من كتب متنوعة و مجلات متعددة التخصصات في الأدب والفن والثقافة والمعرفة، وتكفي الإشارة إلى أن مجلس الثقافة العام وحده قد أصدر في السنة الماضية أكثر من 150 كتاباً، وأصدر بالإضافة لمجلة الثقافة العربية مجلة (أفانين ) المتخصصة في الثقافة الفنية من فنون تشكيلية ومسرح وموسيقى وغناء وغيرها، وهو الآن بصدد إصدار مجلة (فهرست ) ، ومجلة ( ثقافة الطفل) ، كما أصدرت أمانة الثقافة مجلة    ( الجليس ) ومجلة ( شؤون ثقافية ) ولاشك في أن هذه المجلات وغيرها من الصحف هي قنوات للتفاعل الثقافي ومهرجانات أدبية وفنية في الداخل والخارج ، وتمثل دعماً للمبدعين الكبار والواعدين الصغار .
على هذا  فإن المشهد الثقافي الليبي في ظروفه الراهنة يشهد نهضة ثقافية غير مسبوقة، لا يستطيع أي مكابر نكرانها أو طمس معالمها أو جحد نتائجها المنجزة والمقبلة، ونعد بالمزيد من التنامي والرقي في المستقبل.

** حدثونا عن واقع حرية التعبير والرأي في الجماهيرية ؟ وأي نوع من الرقابة يمارس على المبدعين؟
- لاشكّ في أن الإجابة على هذا السؤال وثيقة الصلة بإجابة السؤال السابق الذي أوضحت فيه حقيقة ما تشهده الجماهيرية الليبية من نهضة ثقافية  غير مسبوقة على مختلف الأصعدة من كتب ومجلات وصحف وندوات ومهرجانات واهتمام بالمبدعين ودعم للموهوبين، وكل ذلك بطبيعة الحال لا يؤتي ثماره ما لم يتواز مع أوسع مجال من ديمقراطية الحوار وحرية الأفكار، وتبادل الآراء، ومداولة الاستراء دونما قيود أو حدود، وبما يضمن تحقيق المصلحة العامة للشعب قاطبة، المجسدة فيما يصدره من قوانين ونظم تحدد الحقوق والواجبات العامة الواعية والمسؤولة ، التي لا يستقيم حال الدولة بدونها.
ولاغرو فيما يكتسيه سؤالكم هذا من أهمية، بل هو نبرة الإيقاع التي يدور حولها أي حوار ثقافي ، لما يحمله في ثناياه من أبعاد تتعلق بحقوق الإنسان والهوية الثقافية للشعب والأمة، وفوق ذلك الشأن العام والديمقراطية السياسية.
ولكي تكون الإجابة عليه كافية ووافية وشفافة وواضحة نقول : إن ذلك يرتبط بضرورة تحقيق التماهي بين إطلاقات الحالة الطبيعية وتحفظات الحالة المدنية، حيث يستطيع الإنسان في الحالة الطبيعية الأولى أن يتصرف، وأن يعبر كيفما يشاء و يريد، بل أن يصنع قانونه بنفسه معتمداً على قوة سلطته أو ملاءة ماله، أو درجة حذقه وذكائه، وفي الحالة المدنية الثانية لا يستطيع الإنسان أن يطلق العنان لتصرفاته أو التعبير عن مطلق إرادته ، إذ يجد نفسه مقيداً بأحكام قانون مجتمعه، وما يرتبه من مسؤوليات مادية ومعنوية، باعتبار أن القانون وحده مناط التعبير الحقيقي عن الإرادة والضمير الشعبي،  وقد تجاوزت البشرية مرحلة الطفولة الإنسانية، وتركت حياة الفطرة والشخصنة البدائية وأدركت مرحلة الرشد الإنساني بل ذروة المعرفة وأرقى مراتب الثقافة والحصافة ، ولم يعد ـ  في حالة كهذه ـ  مجال للحديث عن حياة الفطرة والفوضى القديمة، بل أصبح الإنسان مواطناً في دولة لها حقوق وعليه واجبات  يعد مسؤولاً عنها تجاه غيره ومجتمعه .
 فهل تكون هذه الحرية بلا قيود أو حدود، والديمقراطية الحقة، والمسؤولية الكاملة عن تبعات أية تصرفات ضارة أو مسيئة للغير؟ ولكنّه في الوقت نفسه هو زمن حرية الأفكار والآراء ونبذ الاحتكار والاستراء، زمن لا يستطيع فيه الإنسان أن يريد عن غيره أو أن يعبر عما في وجدان غيره وضميره، زمن يفقد فيه الإنسان إنسانيتة ما لم  يتمتع بإرادته وحريته، ولا يكون الإنسان سيدا ما لم يكن حراً مريداً ، بل إن الإرادة لا تتمظهر ولا تتشيئ  في دائرة الفعل أو الوجود ما لم تكن حرة وسيدة، وفي ذلك يكمن السؤال الكبير والمحير، وهو ضرورة تحديد مدى هذه الحرية بين الإطلاق والنسبية .
وأحسب أن المفكر الفذ (روسو) قد دبج عقده الاجتماعي بالإجابة النظرية  على هذا السؤال الكبير في تأكيده على أن ( من يرفض طاعة الإرادة العامة، لامناص من أن تفرض عليه هذه الطاعة ) وهذا في رأينا لا يعني البتة أن ثمة إكراه أو قيد، أو نيل من حرية، بل النتيجة المنطقية، أن تفرض عليه الحرية ويجبر على أن يكون حراً، وبذلك فقط يوهب المواطن للوطن، ويتخلص من أية تبعية شخصية أو طائفية أو حزبية، ويتمكن من المشاركة الحقيقية في الشأن العام لبلاده .
وقد كفلت القوانين  الليبية من خلال امتلاك الشعب كله لوسائل الصحافة والإعلام، أكبر قدر ممكن من الحرية الواعية والمسؤولة في الطباعة والنشر وحرية الحوار وتبادل الأفكار وديقراطية التنوع والاختلاف الذي يحقق التكامل والائتلاف، ويجعل هذا التنوع مطلوباً وذاك الاختلاف مرغوباً ، طالما يهدف إلى تحقيق خير المجتمع كله، ويلتقي مع مصلحة الشعب قاطبة .

** وأخيرا ماذا عن واقع المرأة الليبية اليوم ؟
- المرأة الليبية بلغت أعلى مراتب المشاركة مع أخيها الرجل، إذ إنّها على قدم المساواة معه، دون أي استثناء، وفي كافة وظائف الدولة من تشريع وإدارة وقضاء،  فقد ولجت دائرة الفعل الحقيقي في المجتمع الليبي فهي أستاذة جامعية وإعلامية وصحفية وقاضية وقائدة طائرة ومحامية وجندية وسفيرة دبلوماسية ، فالمرأة في ليبيا تبوّأت مناصب و تقلدت وظائف لم تحلم بها المرأة في كثير من المجتمعات الأخرى.
 ولا ينظر في المجتمع الجماهيري لما تتمتع به المرأة من مكانة وحق في المشاركة في كافة مناحي الحياة العامة والخاصة باعتباره منحة أو مزية، وإنما هو حقّ لها، شأنها في ذلك شأن الرجل،  فهي نصف المجتمع وهي أم وأخت وابنة وزوج، بكل ما تعنيه هذه العلاقات الحميمة من صلة رحم ومشاعر عاطفية جبلتها عليها الفطرة البشرية، وبدونها يتعذر تحقيق التماهي الاجتماعي والتكامل الوظيفي والكياني فهذه فطرة الله في المجتمع الإنساني.
وأعتقد أن ما تشاهدونه من وجود مكثف للمرأة المثقفة الأديبة والصحفية في الندوات التي ننظمها أسوة بالرجل إن لم تفُقه في المشاركة والتأثير، هو أصدق دليل على ما تتمتع به المرأة في مجتمعنا من مكانة واحترام هي، بهما جديرة وبما هو أكثر منهما أثيرة .
ومسك الختام في هذا المقام ،  أملي أن أكون قد وفيت فيما ذكرت و أرجو المعذرة إن أطلت ، ولكم ولقراء مجلتكم الموقرة كل التقدير والاحترام ، والنصر إن شاء الله لأمتنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق