الأحد، 16 يناير 2011

الإماراتي عبد الرحيم سالم: رسمت ((مهيرة)).. لتصوير حالات المرأة


يعدّ الفنان عبد الرحيم سالم علماً من أعلام الحركة الفنية التشكيلية في دولة الإمارات العربية المتحدة وأحد المؤسسين الفعليين لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، نال مؤخراً جائزة الدولة التقديرية إضافة إلى جوائز محلية وعربية وعالمية، وهو واحد من الأسماء الفنية المتميزة التي أوجدت لها مكانة مهمة في خارطة الفن التشكيلي العربي، وله دور كبير وفاعل في تطوير اللوحة المحلية انطلاقاً من البيئة المحلية والذاكرة الشعبية، وقد أولى اهتماماً كبيراً بالإنسان الإماراتي بشكل عام والمرأة على وجه الخصوص، حيث تبنَّى منذ انطلاقته الأولى شخصية «مهيرة» وتناول قصتها برؤية جديدة عصرية، مركزاً على نقل أحاسيسها وأحزانها وهمومها في تجريدات لونية مشبعة بالخطوط والأشكال ذات قيم إنسانية..
ونظراً لتجربته المتميزة التي تمتد نحو ثلاثة عقود، حصل عبد الرحيم سالم في العام الماضي على جائزة الإمارات التقديرية في الفنون فرع «الفنون التشكيلية».
في بداية حوارنا معه يتوقف عبد الرحيم عند بداياته الفنية الأولى وعشقه للفن التشكيلي حيث بدأ يمارس العمل الفني كهواية في سن مبكرة، وظهرت ملامحها في المدارس من خلال المسابقات الفنية المتعلقة بالرسم، إذ لاحظ المدرسون آنذاك شغفه بالرسم وإنجازه لوحات ذات ملامح لخطوط وألوان متميزة، فضلاً عن حصوله على الجوائز الأولى، فراحوا يركزون على موهبته ويهتمون به ويأخذون بيده، وهنا يقول عبد الرحيم سالم: تعلمت كثيراً في هذه المرحلة المدرسية فقد تعرفت من خلال المدرسين وتوجيهاتهم إلى الفن التشكيلي وقواعده ومدارسه، وبعد نيلي الشهادة الثانوية سافرت إلى القاهرة ودرست فن النحت بكلية الفنون الجميلة، وتخرجت عام 1980، ثم عدت إلى الإمارات وتنقلت بين عدة وظائف.
يضيف: لكن بعدما عدت من القاهرة وضعت نصب عينيّ العمل على دفع العجلة التشكيلية الإماراتية نحو الأمام، فقمت أنا ومجموعة من الفنانين مثل عبيد سرور ومحمد يوسف وعبد القادر الريس، بتأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، نظراً لحاجة الفنانين وقتها إلى مكان يجمعهم ويضمهم، فضلاً عن الحاجة إلى كيان للحركة التشكيلية، يضع على عاتقه الأخذ بيد المبتدئين وإقامة الورش التدريبية، وبالفعل تأسست الجمعية أوائل الثمانينيات، وصار لها حضور قوي وفاعل، وشهدت تطورات كثيرة ومرت بمراحل مهمة حصدت خلالها الازدهار والتوسع.
بالنسبة إلى تجربته التشكيلية فقد تميزت بالتجريب والمثابرة والإبداع، ففي المرحلة الجامعية أحاط عبد الرحيم سالم تجربته بهالة من التأسيس والتكوين وصقل الموهبة بالعلم والمعرفة والاطلاع على تجارب فنية مختلفة، حيث حرص حرصاًشديداً على أن تكون له هوية فنية خاصة به تميزه عن غيره، خصوصاً في انطلاقته الأولى، لكن السؤال الذي كان يردده سالم ويبحث دائماً عن إجابة له هو: من أين يبدأ؟ أمن التراث أو من الطبيعة أو يتبع اتجاهات فنية معينة؟ أم يجسد شخصية ما تجذب الجمهور ويتفاعل معها؟ ولكي يستفيد عبد الرحيم أكثر انكب على القراءة وبشكل خاص كتب السحر القديمة، حيث وجد ضالته ومنطلقه نحو إنجاز لوحات تنفرد بأسلوب وتعبير غير مسبوقين.
ويؤكد عبد الرحيم سالم أنّ تبنيه شخصية «مهيرة» لم يأت من فراغ، وإنما سعياً منه للانطلاق من الموروث الشعبي، والاهتمام بالإنسان الإماراتي، إذ يحدثنا سالم عن «مهيرة» قائلاً: إن الكتب التي قرأتها هي من ذكرني بأنّ هناك امرأة في الشارقة تدعى «مهيرة» من خمسينيات القرن الماضي، ويقال إنها وقعت ضحية السحر فأصبحت مجنونة، كما يقال إنها كانت جميلة جداً، وكان هناك رجل يريد أن يقيم معها علاقة سيئة، فرفضت ذلك، فعمل لها سحراً، فتحولت إلى مجنونة.. إذاً هي دفعت ثمناً غالياً لأنها قالت «لا» لرجل؟ كما آلمني جداً أن يكون الثمن هو تحولها من امرأة عاقلة إلى مجنونة! إضافة إلى أمور كثيرة في حياتها، فتبنيتها وأصبحت جزءاً من تفكيري وعملي، وبدأت أرسمها وعملت أول معرض شخصي لي عن هذه الشخصية التي فتحت لي آفاقاً رحبة نحو رؤى فنية جديدة، وذلك في أوائل التسعينيات، وكانت كل الأعمال بقلم الرصاص، وقد قدمت «مهيرة» بطرق مختلفة، إذ حرصت على تقديمها في أكثر من شكل وصورة..
لقد أنجز عبد الرحيم سالم بحسب قوله أكثر من ألفي عمل إلى الآن حيث كان ينجز في كل سنة أكثر من خمسين عملاً، وهو يرسم كثيراً دون توقف، خصوصاً بعد تطور الحركة التشكيلية الإماراتية وزيادة الطلب على اقتناء اللوحات.
ثم يشير عبد الرحيم سالم خلال حوارنا إلى أنه شارك في بينالي بنغلادش عام 1994، وقدّم عملاً بأسلوب آخر، إذ قام بتحويل «مهيرة» إلى رمز عبارة عن مثلث، ويقول: شعرت بأن المثلث أكثر تعبيراً في تكوينه، وكنت أريد أن أقدم «مهيرة» في هذا العصر، وبشكل حديث، كي تتواءم مع الفترة التي أعيشها أنا، فقدمت عملاً بين التجريد الرمزي المبسط وبين الحركة، وقد حصلت على الجائزة الثانية في بنغلادش..
يضيف: اليوم صرت أرسمها بطريقة تعبيرية، والتي تعبر عن اللحظة، مثلاً جالسة في مكان أو واقفة أو تتحرك، وقد رسمتها في البداية بشكل واقعي، ثم حولتها إلى رمز، واليوم أعيد تجسيدها ولكن من خلال إخفاء الملامح، لأنني أريد أن يرى المشاهد «مهيرة» كما يريدها هو، وأن يكون لكل شخص «مهيرة» خاصة به..
هل من هنا يأتي انحياز عبد الرحيم سالم للمرأة في أعماله؟! لنرى ما يقوله بخصوص ذلك: لا شكّ أن «مهيرة» لعبت دوراً كبيراً في تجربتي الفنية، ولكن هناك أموراً ساعدتني في الانحياز إلى المرأة، إذ ترعرعت في كنف أسرة تضم نساء أكثر من الرجال، فوجودي بينهن جعلني قريباً منهن، حيث تلمست عذاباتهن وأحاسيسهن وعواطفهن.
يضيف: أنا أرسم المرأة ليس بهدف الدفاع عنها وإنما لتوصيل حالات المرأة، إذ إنني أنظر إلى جمالية التكوين لدى المرأة نظرة جمالية وليست جنسية.. لذا ركزت في لوحاتي على تفاصيل خاصة بالمرأة تُشعر المشاهد بأنّ لهذا التكوين إحساساً جميلاً وقيمة عالية.
ويروي لنا عبد الرحيم قصة مؤثرة كادت تطيح بفنه وأعماله، حيث يقول: أذكر حين عدت من بنغلادش حاصلاً على الجائزة الثانية في البينالي، كنت متوقعاً أن ألاقي تكريماً كبيراً من الجهات المختصة، ولكن للأسف لم أحصل حتى على تهنئة من أحد، بعكس ما هو حاصل في الرياضة حيث التكريم والرعاية والدعم، فأصبت وقتها بصدمة كبيرة، وقررت أن أحرق كل أعمالي وأعتزل الفن، وأذكر أن عبد اللطيف الزبيدي (من جريدة الخليج) أجرى حواراً معي حول حصولي على الجائزة، وأقول إن عبد اللطيف هو الذي هدأ أعصابي وشجعني على مزاولة الفن لأن الخاسر الأكبر سأكون أنا، وبالفعل صدقت كلامه وعدت إلى فني..
أما اليوم فيقدم عبد الرحيم سالم رؤية جديدة بعد مراحل عديدة من التجريب والإبداع، وهي التركيز على اللونين الأبيض والأسود، بما يمثلان الخير والشر أو النور والعتمة، فهو لا يتناول اللون من الجانب التصوفي أو الفلسفي، وإنما من خلال التضاد، مثل الرجل والمرأة لكل منها كيانه الخاص ولكنهما في عالم واحد.
وحول تعامل الفنان الإماراتي مع اللوحة التشكيلية، يقول عبد الرحيم سالم: نحن الذين أسسنا الحركة التشكيلية الإماراتية، مثل عبد القادر الريس ومحمد يوسف، كلنا مشينا في خط واحد، ولكن لكل منا ميزة تؤكد شخصيته وأسلوبه، وكلنا انطلقنا من بيئتنا وتراثنا، وهذا مدعاة فرح وفخر، وقد انطلقنا بشكل مهم وراسخ، وقمنا بتطوير اللوحة المحلية، صحيح أننا تأثرنا بالغرب واستهوتنا المدارس الفنية والاتجاهات المتنوعة، ولكن هذا لإثراء التجربة والعمل الفني..
يختتم قائلاً: الفنان هو الأكثر تعبيراً عن بيئته، وهو الأكثر تسجيلاً للحظات وتوثيقاً للذاكرة.. وإذا لاحظت أعمال بعض الفنانين مثل عبد القادر، الذي قام بتسجيل البيئة المحلية مثل الباب والنافذة والبيت، كذلك فعل عبيد سرور الذي اهتم بالجوانب التراثية، فكل واحد يكمل الآخر..


هناك 3 تعليقات:

  1. تصميم مدونتك رائع
    و البرتقالى هو لونى المفضل

    ردحذف
  2. فنان مبدع وراقي بمعنى الكلمة .. شكرا على ما تقدمه من إبداع نحن بحاحة الية .. وشكرا على هذا المقال الرائع

    ردحذف
  3. هذا الفنان هو والد صديقتي ميرة عبد الرحيم وانا اقدره كثيرا و من خلال ميرة عرفت انها حصلت على موهبة الرسم من والدها !

    ردحذف