الأحد، 23 يناير 2011

الدكتورة نادين أبو زكي:الفلسفة تسكن منحوتاتي


لديها ارتباط عاطفي بالخطوط والدوائر


·       الشكل الهندسي ..أصدق تعبيرا عن هواجسي في زمن تسيطر الهندسة في كل الميادين.
·       الاندفاع نحو النحت أعطاني قوة كبيرة، ولا أشعر بالتعب لشدة شغفي بانجاز العمل.
·   المنحوتات الحجرية.. أقرب إلى نفسي من المنحوتات الخشبية، والأشكال العمودية أشد قربا إليّ من الأفقية.
·   المرأة العربية الجديدة.. امرأة تعيش في عصر العولمة وتحافظ في الوقت نفسه على هويتها وتراثها.

حوار/ محمد غبريس

ما تحمله النحاتة اللبنانية الدكتورة نادين أبو زكي في قلبها من عشق وتفان لفن النحت لا يتسع لحوار أو مقابلة صحفية، فلا يترجم إلا حين تلتقط إزميلها وأدواتها وتنطلق في رحلة البحث من خلال الحجر عما يجسد أحاسيسها وأحلامها ورؤاها، وحين تلتقيها للمرة الأولى ستفاجأ كيف أن يديها الناعمتين استطاعتا أن تطوعا الكتلة القاسية إلى منحوتة جمالية تجد في أشكالها الهندسية الرفعة والتألق والأمل..
د. نادين أبو زكي حصلت على الماجستير بالفلسفة من جامعة القديس يوسف (USJ) في لبنان عام 1998 ، ونالت  عام 2005 دكتوراه بالفلسفة (بدرجة ممتاز جدا) من جامعة السوربون بباريس. درست النحت في معاهد الفنانين عارف الريس ، مني سعودي وسامي الرفاعي في لبنان..  وحضرت دورات بالرسم، في كلية الفنون (الفرع الثاني) في الجامعة اللبنانية.
تتولى نادين حاليا منصب رئيسة تحرير مجلة "الحسناء"، فيما ترأس منتدى " المرأة العربية والمستقبل"(NAWF). . أقامت معارض فردية عدة نذكر منها: معرض تحت عنوان "هذا يرى وذاك يفعل" و آخر تحت عنوان "أبراج الصمت " في بيروت، فيما شاركت في أكثر من سمبوزيوم منه: سمبوزيوم إعمار العالمي للفن في دبي، وسمبوزيوم عاليه العالمي للنحت في لبنان.
كما شاركت في معارض جماعية مثل "معرض الخريف الرابع والعشرون" ومعرض "النحت في لبنان" و معرض "حوار الحضارات" في إسباس س.د.-  ببيروت . لديها منحوتة معروضة  أمام وزارتي السياحة والإعلام في شارع الحمرا ببيروت وعنوانها  " المسافر" وقد اختارتها وزارة السياحة آنذاك وهي ترمز إلى فكرة السفر في زمن العولمة.
حصلت د. نادين على المرتبة الأولى في مسابقة الشعر العالمي (باللفة الفرنسية) في Issy Les Moulineaux)  ) عبر     الإنترنيت، مدن العالم المتحدة عام 2000.

عاشقة النحت
التقينا د. نادين مؤخرا في دبي وقد سألناها في البداية عن تجربتها في النحت فأكدت أنّ علاقتها  بهذا الفن الرائع لم تبدأ في الصغر، ولم تكن إراديا، وإنما جاءت من خلال المصادفة، لقد دخلت في معترك النحت  يوم دخولها إلى الجامعة حيث درست الفلسفة والعلوم الإنسانية، وقالت: لا أخفي أني كنت عاشقة للنحت ومهتمة به جدا،  ولم أكن أتصور أن أصبح في يوم من الأيام نحاتة حيث أقيم المعارض وأشارك في السمبوزيوم.. كانت تستهويني كثيرا الأشكال الإنسانية وتلفت انتباهي بشكل خاص المجسمات التي تحاكي الإنسان، فقررت أن أخوض هذه التجربة وأتقرب من النحت، فشاركت في دورات لتعلم النحت في محترف الفنان سامي الرفاعي، وفي محترف النحاتة الأردنية في بيروت منى سعودي، ثم في محترف الفنان عارف السيد.. وأول منحوتة أنجزتها كانت عام 1996 م.

أسلوب بنائي
وللتعرف إلى أسلوبها في النحت استوضحنا منها طبيعة أشكال منحوتاتها فقالت: اتخذت أعمالي الأولى أشكالا هندسية بنائية عمودية، حيث تتكئ على تساؤلات كثيرة لها صلة في الوجود والفلسفة،  كما تعكس ذاتي وأحاسيسي فيما الفلسفة حاضرة بقوة في المنحوتة..
أضافت: لدي أسلوب واحد، يتكرر في غالبية المنحوتات، هو أسلوب بنائي معماري تجريدي،  يتخذ أشكالا هندسية متنوعة، يتقدمها البناء العمودي.
وعن طريقة تعبيرها في النحت بهذا الأسلوب أكدت د. نادين بأنها وجدت نفسها تعبر عن الحالات النفسية التي تمر بها من خلال الأشكال الهندسية البنائية، وتشعر بأنها لدي ارتباط عاطفي بالخطوط والدوائر.
وتحرص د. نادين على أن لا تطلق الأسماء على منحوتاتها، حيث تركت للمتلقي حريته المطلقة في التعبير عما يشاهده وذلك بحسب أحواله النفسية  فيحلق في فضاء منحوتاتها على جانح من الأحلام والرؤى.
فيما ترى أبو زكي أن الشكل الهندسي هو أصدق تعبيرا عن هواجسها في زمن تسيطر الهندسة في كل الميادين وحتى في الفن، وتتأثر كما – عبرت - بالجسد البشري وتعبيراته بما فيها الأحزان والعذابات والأفراح، فتحيلها إلى الحجر لتتحول هذه التعبيرات إلى أشكال هندسية تجريدية.

لا أشعر بالتعب!
وردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك أية صعوبة لدى النساء في هذا الفن الذي معظم رواده من الرجال، قالت: لا شك أن النحت يتطلب سواعد قوية، ويخوضه الرجال أكثر بكثير من النساء، ولكن ثق إذا قلت لك إنّ الاندفاع نحو النحت أعطاني قوة كبيرة، ولا أشعر بالتعب لشدة شغفي بانجاز العمل، أما العاطفة المتوجهة في أعماقي فتجعلني أزرع الحياة في هذه المادة القاسية،وأحولها إلى قطعة تجد في أعماقها نبضاتي وأحاسيسي..
بالنسبة إلى طموحاتها في هذا المجال فقالت د. نادين:لا يكاد يمر يوم وإلا أخطو من خلاله خطوة جديدة نحو الأمام في فن النحت، ولا أضع لنفسي هدفا عريضا أعمل للوصول إليه، وإنما أعيش الحاضر لحظة بلحظة، ولا أدخر جهدا أو عطاء في سبيل التقدم والتطوير.

علاقة قوية
حينما قررت د. نادين الدخول إلى عالم النحت، التجأت أولا إلى مادة الطين التي لم تشبع رغباتها كما فعلها الحجر، فيما جربت أيضا مادة الخشب ولكنها أكدت أنها تشعر بأن المنحوتات الحجرية هي أقرب إلى نفسها من المنحوتات الخشبية، كما تشعر بأن الأشكال الهندسية العمودية أشد قربا من الأفقية والمنحنية.
وقالت: لدي علاقة قوية جدا بالحجر، هي علاقة صداقة وحوار وتفاعل، على الرغم من أن هناك حالات أشعر بها بأني في حالة صراع معه، وأريد أن انتقم منه.
طالبت د. نادين خلال حوارنا معها كل الوزارات والمؤسسات الثقافية بأن تولي اهتماما كبيرا في فن النحت من خلال تنظيم معارض باستمرار حتى تتكون علاقة متينة بين النحات والمتلقي، وبالتالي هذه المعارض تعلب دورا كبيرا في جذب الجمهور وفي دعم مستقبل فن النحت..
بالنسبة إلى مشاركاتها في السمبوزيوم بشكل عام، أكدت أنها تفضله أكثر من المعارض الفردية أو الجماعية، وقالت: في السمبوزيوم أقضي أسعد لحظات حياتي، ففيه تكون الضجة كبيرة والغبار يملأ المكان، وأشعر بأني أعيش المادة التي اشتغل عليها وأكون ملتصقة بها جدا، أما الغبار الذي ينتج عن عملية النحت فهو ينعش النحات ويزيده تفاعلا أكثر مع الحجر.
أما عن علاقة الجمهور بالنحت أشارت د. نادين إلى أنّ ما لاحظته خلال تجربتها بأن الجمهور يندفع كثيرا تجاه السمبوزيوم أكثر من المعارض التي تعرض فيها المنحوتات الجاهزة، إذ يتعرف عن قرب إلى النحات وهو ينغمس في عمله، كما يتعرف إلى الأدوات التي يستخدمها، فيما يعيش الجمهور مراحل التي تمر بها المنحوتة وهذا يزرع في دواخلهم الدهشة والمتعة والجمال.

الفلسفة
كما ذكرنا في المقدمة أن د. نادين تخصصت في الفلسفة، فهنا سألناها عما يجمع الفلسفة بالنحت فأجابت: الفلسفة هي تعني لي أكثر من الصحافة والكتابة والنحت، لأنها تشكل عندي محط الانطلاق إلى أي عمل أقوم بها سواء كان متعلقا بالصحافة أو النحت. وكثيرا ما أتساءل في نفسي من أختار: الكتابة أم النحت؟ فلا أجد إلا إجابة واحدة هي أنني لا أستطيع أن أعيش من دونهما، وحاجتي في التعبير لا تكتمل في الكتابة أو في النحت، وإنما في الاثنين معا.
نأتي الآن إلى الصحافة، لنتعرف إلى بداياتها الأولى في هذا المجال، وقد أوضحت د. نادين لنا قائلة:ترعرعت في كنف عائلة تهوى الأدب والصحافة وكان والدي صحافيا، لذلك كنت منذ الصغر تستهويني الكتابة، فكنت أكتب بعض المقالات وأنشرها، وقد شغلت منصب رئيسة تحرير مجلة " الحسناء" عام 2003، فيما كنت أكتب في ملاحق ثقافية، عبارة عن مقالات نقدية لمعارض في النحت والرسم، لقد امتزجت الكتابة والنحت في ذاتي، فمرة أعبر بالقلم ومرة بالأزميل، والاثنان عندي في ذات المرتبة، على الرغم من الفرق بينهما.

امرأة عربية جديدة
على ذكر مجلة "الحسناء" فقد تأسست عام 1909، وهي مجلة نسائية اجتماعية، موجهة لمرأة عربية جديدة – كما قالت د. نادين- تهتم بالمرأة العصرية في كافة المجالات، وهذا الاهتمام تحول إلى مؤتمر للمرأة يقام سنويا، وهو " منتدى المرأة العربية والمستقبل".
هنا سألتها ماذا تقصدين بامرأة عربية جديدة؟ أجابت: هي امرأة متعددة، عاملة ومنتجة ومثقفة في الوقت نفسه، وهي امرأة لها مكانة مهمة في المجتمع.. والمرأة التي تتوجه لها مجلة " الحسناء " والتي يقام من أجلها المنتدى هي المرأة التي تختار نفسها، ربما تختار أن تكون ربة منزل فقط، أو طبيبة، المهم أنها تكون حرة في اختيار ما تريد، هي امرأة مثقفة وعندها رؤية ولا يجوز أحد أن يختار عنها.. المرأة العربية الجديدة هي التي تعيش اليوم في عصر العولمة، وتحافظ في الوقت نفسه على هويتها وتراثها وثقافتها.

واختتمت د. نادين حديثها بالتوقف عند نجاحات المرأة مؤكدة أنها حققت الكثير منها في أكثر من صعيد، ومازالت في نصف الطريق لم تصل بعد إلى مبتغاها، ومازال هناك بعض الظلم الذي تتعرض له.. وقالت: أنا متفائلة جدا بمستقبل المرأة، لأنها استطاعت أن تثبت نفسها وحضورها في المجتمع خلال فترة تعتبر قصيرة.. والأهم تكون مؤمنة بما تفعله وأن تطور نفسها دائما لأن بتطورها تتطور العائلة ويتقدم المجتمع والوطن..









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق