الاثنين، 24 يناير 2011

العراقية سارة السهيل: الصدق سرّ نجاحي




·  التاريخ  منذ عهد هولاكو إلى اليوم .. حافل بقدرة الشعب العراقي على الصمود ومواجهة أي رياح دولية عاتية.
·  المبدع لا يقدر أن يكتب عن الناس دون أن يشاركهم لحظات الحزن والفرح، ولا يمكنه أن يعيش في برج عاجي بمعزل عن أي تفاعل اجتماعي.
·       لست مع الحرية الفجة التي تتناول مشاعر شخصية تؤذي العين والأذن وتخدش الحياء.


حوار/ محمد غبريس

استطاعت الأديبة العراقية سارة السهيل أن تحتلّ مكانة مهمة في الساحة الأدبية العربية، وأن تتوج تجربتها الثرية بإصدارات عديدة ونشاطات مختلفة تمتد في كل أرجاء الوطن العربي، وهي التي ترعرعت في كنف الفكر والأدب والسياسة، وشبّت على قضايا الوطن وهموم الناس وأحلامهم المسلوبة، فاكتسبت خبرة عالية وثقة كبيرة في النفس، فارتمت بين أحضان الشعر الذي وجدت في أعماقه نبتة أحلامها وتطلعاتها، فأصدرت ديوانها الأول عام 2000 تحت عنوان " صهيل كحيلة " وأعقبته بديوان ثان " نجمة سهيل"، ثم أصدرت باكورة إنتاجها للطفل قصة " سلمى والفئران الأربعة " وتلتها سبع قصص منها: " قمة الجبل" و "نعمان والأرض الطيب "ليلة الميلاد" و"السور الحزين" "اللؤلؤ والأرض" و "أميرة البحيرة".. أما آخر أعمالها الشعرية فكان ديوان " دمعة على أعتاب بغداد " يتضمن قصائد وطنية مسكونة بالحنين والدموع ويحتفي بتاريخ وحضارة البلد الجريح.
بالنسبة إلى نشاطاتها الثقافية والاجتماعية فهي لا تتوقف، فإما أن تشارك في ندوة أو مؤتمر أو احتفال ما وإما أن تقيم أمسية شعرية أو حفلا  فنيا وإما أن تنغمس في الكتابة، وهنا نذكر آخر نشاط لها قبل أن ننشر الحوار وهو إقامتها لحفل فني ضم أكثر من سبعين طفلا وطفلة بحضانة أطفال جمعية الأقباط الأرذوكسية في ضاحية الزيتون بالقاهرة، وذلك بمناسبة أعياد الميلاد.
" دبي الثقافية " أجرت معها حوارا هنا نصه:

·   دعينا أولا نتوقف عند تجربتك الأدبية، كيف تشكلت البدايات الأولى؟ ما أهم المحطات في هذه التجربة؟ وما الأكثر تأثيرا في نفسك وفي كتاباتك؟
** إن تجربة أي مبدع تنطلق في تقديري من المحيط الذي نشأ وترعرع فيه، وبالنسبة إليّ فقد نشأت وترعرعت في أسرة تشتغل بالسياسة وتحتضن الفكر وتنتصر لقيمة الثقافة في تشكيل الوعي ، ففي مكتبتنا تعرفت إلى عالم الكتاب الذي اتخذته صديقا ورفيق درب ، تعرفت إلى الأدب الجاهلي ومس شغاف قلبي رغم أنني كنت طفلة صغيرة، ولم يكن عقلي يدرك بعد معانيه . كان في بيتنا صالون أدبي يفد إليه الساسة والمثقفون، فمن خلاله عرفت معنى النضال ضد المستعمر وتيقنت بحقوق الشعب الفلسطيني، وكانت أولى قصائدي عن النضال الفلسطيني.. وفي خضم ذلك انفتحت على التراث العراقي وعمقت إحساسي بالوطن الذي لم أعشه حيث كنت أقيم مع أسرتي، وكان والدي شيخ قبيلة وزعيما وطنيا وقائدا سياسيا ورائدا اجتماعيا وفكريا.  هذه هي المؤثرات التي شكلت وجداني في الصغر ، ولكن بسبب معاناتي من كثرة ترحال أبي وسفره بسبب انشغاله بالسياسة، قد مللت السياسة ، وارتميت في أحضان الأدب وعشقت الشعر الوجداني والنبطي، فكانت تجاربي الأولى شعرا رومانسيا يغازل القصيدة العمودية ، وينتصر للقصيدة النبطية. وبالضرورة فإن احتلال العراق وسقوط بغداد كانا عاملين حاسمين في توجهي لاحقا نحو الشعر الوطني، فكان ديواني الأخير "دمعة على أعتاب بغداد".

·       ما السرّ وراء نجاحك الإبداعي  في العالم العربي؟
** الصدق فالصدق ثم الصدق ، هو أقرب طريق لغزو قلوب الناس، إذ إنّ قيمة الصدق في تقديري لا  تعلوها أية قيمة أخرى ،بل إن الفضائل كلها تأتي بعد تحقق الصدق في حياتنا قولا وفعلا ، ولكني اعتقد أيضا أن الإنسان كلما كان صادقا فان القلوب تنفتح له خاصة اذا ما ترادف مع قيمة التواضع ، فكم من مبدع متعال تجافى عنه الجمهور بسبب آفة التعالي، ولا يمكنني في هذا الإطار أن أنسى القيمة الإنسانية التي كان يتمتع بها أديب نوبل العربي نجيب محفوظ وهي تواضعه الجم وعدم استهتاره بأحد وهو الذي درس الفلسفة وعرف أن فهم الحياة ينطلق من القدرة على التواصل مع البسطاء، وأن الإدراك يتحقق بإعمال الفطرة الإنسانية بمعزل عن أي تعقيد، إضافة إلى مثابرتي والجهد الكبير الذى أبذله بمزاولة كل شؤوني من الألف إلى الياء.

·   تكتبين الشعر والقصة والمسرح، ما الأقرب إلى نفسك؟ وهل هذا التعدد في الإبداع يشكل عبئا عليك؟
لكلّ لون أدبي مذاقه  الخاص ، والفكرة التي تواتيني لحظة الكتابة هي التي تفرض حضورها بقوة وتختار اللون والقالب الأدبي التي توضع فيه وتخرج منه إلى النور، ولا أستطيع الآن تحديد اي الأشكال الأدبية قربا إلى نفسي ، ربما في مرحلة عمرية لاحقة قد أستطيع الإجابة المحددة على ذلك، ولكني الآن ولكي أكون أكثر صدقا مع نفسي أستطيع القول: إن كتابة قصيدة تفرض عليّ حضورها أحب إليّ في وقتها من أي شيء أخر وكذلك حين أغوص في عالم الطفولة المبهر وأحن إليها أجدني أكثر ارتباطا نفسيا بقصص الأطفال وهكذا، ولكني وسط كل هذا لا اشعر مطلقا بأن تعدد مستويات الكتابة عبر تعدد أشكال الكتابة الأدبية يشكل عبئا عليّ ، بل على العكس أراه متنفسا كبيرا للتعبير عن الطاقة الكبيرة التي تعتمل بداخلي .كما أننى أعبر عن قضايا أخرى إجتماعية وبيئية بمقالات تنشر لي في الجرائد والمجلات وأتناول أحيانا شئون سياسية  ووطنية ودينية فأنا إنسانة تهتم بكل ما حولها .

·   أريد أن نعرف ما حجم الحرية في نصوصك؟ وهل مازلت حرية الكتابة النسائية تتغلغل بين الرموز والاستعارات؟
الكتابة والحرية صنوان لا يفترقان، والإبداع في الكتابة لا يتحقق بمعزل عن توظيف أدوات الإبداع نفسها من رموز واستعارات وكنايات ، فالفن الحقيقي والمؤثر لا يعبر عنه بطرائق مباشرة، بل إن قدرة الفن على التأثير تستلزم من المبدع أن يكون متمكنا من أدوات الترميز الخاصة به وهي أدوات تخصه وحده لأنه امتلكها من بيئته وثقافته وأشكال التحديات التي واجهها. من هنا فإن المبدع سواء كان رجلا أو له رموزه الخاصة التي تختلف بحسب تجربته . وأخلص من ذلك إلى تأكيد حقيقة واحدة هي أن نصوصي الأديبة تشي بمتنوع من أشكال الحرية اللازمة لتتنفس الكلمات والسطور.وأنا مع الحرية التى تعبر عن الوطن والسياسة والمشاكل وطرحها وإيجاد الحلول لها، ولكن لست مع الحرية الفجة التى تتناول مشاعر شخصية تؤذى العين والأذن وتخدش الحياء والأصول فأنا ابنة العرب وابنة القبيلة التي مازالت تحمل بداخلها القيم العربية وأصولها التي لا تقبل التنازل عنها أبدا.


·       ما الذي تريدينه من الكتابة للأطفال؟ وماذا قدم لك الشعر؟
أولا في ما يتصل بعالم الطفولة ، فهو عالم خاص جدا شديد السحر لأنه لا يعرف المستحيل  ويتجاوز حدود الواقع الضيق إلى آفاق أكثر رحابة واتساعا ، هذه المعاني أعيشها وأنا  أكتب قصصي للأطفال ، فأنا أكاد أعيش سنهم لحظة الكتابة إليهم وأتقمص شخصياتهم وأفكر بطريقتهم ، لكني وسط ذلك كله لا أنسى الرسالة الهادفة من وراء فعل الكتابة بغرس قيم العدل والحرية والمساواة والتعاطف والرحمة .
أما الشعر فهو ذاتي التي تتحقق من خلال التحليق كطائر يقف على الأغصان ويعانق شذاها ويلتف بأوراقها الخضراء فتدب في أوصاله روح النماء والخصب والقدرة على مواصلة التحليق في أحلك ظروف الأيام قسوة . فالشعر قدّم إليّ الكثير،  إذ إني وجدت فيه أحلامي وتطلعاتي.

·       هناك من يقول إن الشعر في أزمة وقد فقد توهجه في هذا الزمن؟ ما تعليقك على ذلك؟
الشعر ليس في أزمة ، لكنه لم يعد في صدارة المشهد كما كان عليه في السابق ، وهذه سنة الحياة التي تقتضي التغيير ، فالشعر قد زاحمته سيطرة فنون الصورة بشكل كبير ، تلك الصورة التي تفرضها علينا الفضائيات بكل سحرها وتفننها في جذب الجماهير ، ورغم ذلك فلا يزال للشعر جمهوره المخلص له، وما زالت له أمسياته التي تعلي شأن الكلمة وقدسيتها ، فالشعر باق ما بقيت الكلمات تنبض بالحياة على البسيطة .ولكني أعاتب بعض الشعراء الذين يكتبون ما لا يفهم، فالكتابة عندي يجب أن تحمل رسالة ومعنى ويجب أن يفهمها القارئ، وإلا ما معناها أساسا فعتبي على الشعر الذى لا يشبه الشعر شكلا ولا مضمونا، هناك أشخاص يكتبون كلاما عاديا وكأنه حوار سخيف ثم يقول لك هذا شعر وهو بلا منطق أو رسالة أرفض هذا وأعتبره أزمة .

·       لديك دائما نشاطات وإسهامات ومشاركات، هل هي البحث عن الشهرة أم هناك رسالة ما ؟
الحقيقة إنني أحمد الله على أنعمه التي تحصى ولا تعد فقد وهبني روحا وثابة للعمل في أكثر من ميدان ، كما منحني طاقة نفسية هائلة تفتح أمامي أبوابا واسعة للحركة والنشاط ، وهذا ليس بحثا عن الشهرة كما تظن أنت، ولكنها طاقة أحاول فيها أن اقتحم عوالم مجهولة بالنسبة إليّ فأكتشفها واستمتع بلذة المعرفة واكتشاف المجهول، والمعرفة في تقديري تبدأ من محاولة معرفة الناس من الداخل والتواصل مع أحلامهم وأفراحهم وأتراحهم باعتبار أنهم جزء مني ومن المجتمع المحيط بي بكل ايجابياته وسلبياته. من هنا  لدي رسالة أساسية في كل أنشطتي التي تنطلق من دور الأدب والفن في تشكيل وعي الناس بحقوقها وواجباتها تحقيقا لقيم العدل والرحمة على الأرض ، تلك الرحمة التي تدفعني أشارك كبار العجزة والمسنين فرحهم بعيد الأم ، وأشارك اليتامى فرحتهم بأعياد الطفولة، وأسهم في رسم ابتسامة صادقة على وجه طفل يتيم أهديه إحدى قصصي للأطفال . فالمبدع لا يقدر أن يكتب عن الناس دون أن يشاركهم لحظات الحزن والفرح، ولا يمكنه أن يعيش في برج عاجي بمعزل عن أي تفاعل اجتماعي وهذا قد يفسر لك كثرة حركتي ونشاطي الواسع نسبيا .

·     تواجه المرأة العراقية اليوم أوضاعا صعبة أكثر مما تواجهه  المرأة العربية بشكل عام، كيف تتعاملين مع هذه الأوضاع؟
المرأة العراقية جبلت على الصمود والقدرة على التحدي التي اكتسبتها من ويلات الحروب التي خاضها وطني العراق من قبل ، فقد ذاقت مبكرا مرارة اليتم بفقد الأب،ومرارة الوحدة بفقد الزوج وعذاب الضنى ولوعة القلب بفقدان الابن في ساحات المعارك، وإن كانت مأساتها اليوم ليست بالجديدة لكنها مأساة أشد وطأة لأنها ترزح تحت نير الاستعمار بكل آفاته وتعقيداته وما يترتب عليه من شح الأمل في النفوس والخوف الكبير على مستقبل الأجيال، فيظل غياب الأمن والاستقرار اللازمين لبناء المستقبل ونهضة الأمة بالعلم والتعليم،  تحديا خطيرا أمام المرأة العراقية بوصفها العمود الفقري للمجتمع العراقي، ورغم كل معطيات هذه الصورة المظلمة للواقع العراقي فإنني مؤمنة بأن الشدائد هي التي تصنع الإنسان وتصلب عوده ، وتقوي عزيمته على التحدي والمواجهة. كما أعتقد أن تسلح المرأة العراقية بالعلم وبمخزونها التراثي والحضاري سيفتح عقلها ووجدانها للبحث عن طرائق عملية لحلّ أزماتها الراهنة وتجاوز العقبات التي تحول دون أداء دورها التنموي في تنشئة أجيال عراقية قادرة على تجاوز محن الاحتلال. ولا شك أنني كمواطنة عراقية اكتوى بنار العذاب الذي يعيشه أبناء وطني ورغم قسوته وظلمته الحالكة فإني أبحث عن شعاع النور الذي يعيد اللحمة بين أبناء الوطن وأعبر عن ذلك في قصائدي ، وأعيد قراءة التاريخ فاستبشر بالأمل القادم ، فهذه ليست المرة الأولى التي تتدافع قوى الشر ضد وطني، فالتاريخ  منذ عهد هولاكو والتتار إلى اليوم ، وهو حافل بقدرة الشعب العراقي على الصمود والوقوف صلبا مجددا في مواجهة أي رياح دولية عاتية .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق