الأحد، 16 يناير 2011

الشاعر السعودي عبد الله الصيخان: لسنا بئر نفط فقط...


يبدأ الشاعر السعودي عبد اللـه الصيخان حديثه في حوارنا معه حول تجربته الشعرية التي انطلقت شرارتها الأولى عام 1976م، حين رأت قصائده لأوّل المرّة النور على صفحات الصحف والمجلات المحلية، من بينها مجلة «اليمامة»، لكن الصيخان عندما انتقل من مدينته تبوك في أقصى الشمال، على الحدود السعودية الأردنية، إلى مدينة الرياض لمتابعة دراسته الجامعية، استطاع أن يثبت حضوره الشعري في هذه المجلة.
حيث قام بزيارات عديدة إلى مقرّها، فتعرّف إلى إدارتها وأقسامها التحريرية عن قرب، وقد لاقى ترحيباً كبيراً في بداية الأمر إلى أن أًصبح هذا الترحيب دعوة للعمل كمحرر صحافي. وهكذا بدأت تجربة الصيخان الصحافية، إذ تمكّن خلال فترة قصيرة أن يتبوأ مناصب أعلى في المجلة نفسها، حيث أصبح مدير القسم الثقافي، وبعد تخرجه في الجامعة، تفرغ نهائياً للعمل في الصحافة، فتولى منصب مدير تحرير «اليمامة» لسنوات عدة، ثم انتقل للعمل في جريدة «عكاظ» كنائب رئيس التحرير عام 1997.
أمّا أهم المحطات في تجربته، فيوجزها الصيخان قائلاً: لا شكّ أنّ مشاركتي في مهرجان «الأمة» في بغداد عام 1984، كانت من أهم المحطات في تجربتي وحياتي، لكن لمهرجان المربد في معظم دوراته إضافة إلى مهرجان جرش طعم آخر ونكهة شعرية مميزة، كما أنني شاركت في مهرجانات عربية عدة إلى جانب العديد من الأمسيات في داخل المملكة، واعتليت منابر العديد من الدول العربية، فيما شاركت أيضاً في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب بعدة أمسيات عام 2005، وكانت آخر أمسياتي في الجزائر في العام الماضي.
يضيف: لقد ترجم شعري إلى اللغة الانجليزية ضمن مشروع «بروتا» لترجمة الشعر العربي الحديث وهو مشروع أنجزته جامعة الملك سعود بالتعاون مع جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية. وصدر لي الديوان الأول عام 1988عن دار الآداب في بيروت تحت عنوان «هواجس في طقس الوطن»، فيما صدرت النسخة الثانية منه في العام الماضي، كما صدر لي حديثاً ديوان ثان تحت عنوان« عودة امرئ القيس».
٭ على الرغم من حضورك الشعري المميز في الساحتين السعودية والعربية، إلا أنّك مقلّ ومقصّر في إنتاجك وأعمالك، هل هناك سبب معين؟
- صحيح، إنني مقلّ جدّاً في إصدار الدواوين، لأنني مقصّر في الكتابة الشعرية، فضلاً عن كوني حريصاً على أن لا أعيد نشر كلّ القصائد التي تم نشرها في الصحف والمجلات، إذ إنني أحاول أن أقدم للقارئ النصوص التي تمثل تجربتي.
كما أنّ للعمل الصحافي والإعلامي دوراً كبيراً في هذا التقصير، فهو لم يترك لي وقتاً للشعر، أمّا الآن فأنا متفرغ للشعر فقط، وعندي مشروع حالياً هو العودة إلى مسودات الـ15 عاماً الماضية، لأنتقي منها الأفضل وسأنشرها في ديوانيين.
٭ لكن يقال إن الإعلام يخدم الشاعر ويبرزه للأضواء؟
- في الواقع إنّ الإعلام سيف ذو حدين، فالعمل في مجاله يجعلك لا تهتم كثيراً بتجربتك الشعرية، إذ في أحيان كثيرة، تحترق فكرة قصيدة في مقال، وأحياناً أخرى يذهب جهد الشاعر في تفاصيل مرتبطة بالعمل الصحفي، لذا، هو أحد الأسباب التي جعلتني أن أكون مقلاً في الكتابة الشعرية وفي النشر، من هنا قررت أن أتفرغ لترتيب أوراقي وقصائدي لأعوض في الأيام القادمة وأتفادى التقصير والتقليل.
٭ لفتني في بداية حديثك أنك أعدت طباعة ديوانك الأول «هواجس في طقس الوطن»، بعد مرور عشرين سنة على صدور النسخة الأولى، بم تفسر ذلك؟
- لقد صدر ديواني هذا عام 1988م، وظل طوال عقدين غير مجاز أو مخول لدخول المملكة العربية السعودية، ليس لما يحتويه بقدر جهل الرقيب الذي لم يقرأه، لكن في السنتين الأخيرتين بدأت تتغير الرؤية الرقابية في المملكة وفي المنطقة بشكل عام، وأصبح هناك وعي بالتعامل مع الشعر وباقي الفنون الأخرى، لذا كنت حزيناً لأنه لم يصل إلى القارئ الذي أحرص على الوصول إليه قبل أي شيء وهو القارئ المحلي. وأخيراً أجيز قبل عامين وبادر نادي حائل الأدبي بإصدار الطبعة الثانية منه..
٭ هل أنت مع ترجمة الشعر؟
- إنّ الترجمة كما يقال خيانة، وأنا أعتبرها خيانة جميلة، لأنّ الوصول إلى الآخر الذي يختلف عنا بالثقافة والعقيدة واللغة والعادات، له طريق واحد وهو الترجمة.. لكنّ السؤال ماذا نترجم؟ أعتقد أن الرؤية التي ينظر بها الشاعر غير العربي إلى النص الشعري تختلف عن تلك الرؤية التي ننظر من خلالها، أقصد أن المتلقي غير العربي عنده شوق كبير للتعرف إلى ثقافتنا وملامح الشعرية العربية.
٭ كيف ترى واقع الشعر حالياً في المملكة العربية السعودية؟ وما التحديات التي يواجهها؟
- عندما نتحدث عن واقع الشعر اليوم لا بدّ لنا أن نستذكر جيل الرواد، إذ نجد أن رائد الكتابة الشعرية العربية في المملكة هو محمد حسن عواد الذي كتب قصيدة التفعيلة متزامناً مع بداياتها على يد نازك الملائكة وبدر شاكر السيّاب، ثم يأتي الجيل الثاني الذي يمثله الشاعر غازي القصيبي وحسن القرشي، وهما شاعران كانا على تماس مع التجربة العربية الشعرية، حيث وصل صوتهما إلى القارئ العربي وأثبتا حضورهما في الساحتين العربية والسعودية، أمّا الجيل الثالث أو جيلنا إذا صحت التسمية فهو يمثل جيل السبعينيات، وقد تماس مع التجربة العربية عبر حضور المهرجانات مثل مهرجان المربد وجرش وقرطاج، فيما استطاع هذا الجيل من خلال أصوات عدة، لعلّي من بينهم، أن يوصل صوته إلى القارئ العربي، وأن يتماهى مع الحركة الشعرية العربية.
الرهان الأساسي هو رهان الشاعر أن ينهض بقصيدته لتكون صدى رؤيته منفتحة لقبول الآخر، والتي تتماهى مع التجارب الإنسانية، أعتقد أننا في منطقتنا الخليجية نملك ملامح مشتركة في ثقافتنا لعل جيل السبعينيات في كل البلدان الخليجية استطاع أن يتواصل مع بعضه بعضاً، وقد حققت القصيدة عبر هذا الجيل حضورها في الساحة العربية.
٭ انطلاقاً من عنوان ديوانك الثاني، كيف عاد امرؤ القيس؟
- صراحة، هو عنوان إحدى القصائد، وقد كتبتها قبل سنتين محاولة مني أن أسقط شخصية امرئ القيس على المهاجر الفلسطيني أينما كان، محملاً بالعذابات التي تعرض لها، والآلام التي أصيب بها، ويتشابه الفلسطيني مع امرئ القيس ذلك أن الأخير فقد ملك أهله وأجداده ووطنه، في المقابل ظل الفلسطيني أسير التغرّب والحصار، وما يجمع بين هاتين الشخصيتين هو البحث عن الوطن.
٭ ما موقفك من قصيدة النثر؟
- أستعيد مقولة لي قلتها قبل فترة، فأنا من بدايات تجربتي الشعرية كنت مخلصاً لقصيدة التفعيلة، وكان ثمة ما يشبه القطيعة بيني وبين القصيدة العمودية، ثم عدت بعد فترة لأكتب القصيدة العمودية ولعل أحد أمثلتها «عودة امرىء القيس»، عندما سئلت لماذا عدت لكتابة القصيدة الكلاسيكية أجبت قائلاً: عندما ذهب أصدقائي لقصيدة النثر تقدمت للعمودية.
طبعاً قصيدة النثر هي الآن أحد الأشكال الشعرية في الكتابة ولها حضورها وخاصة في جيل الثمانينيات والتسعينيات سواء في المملكة أو الوطن العربي، أعتقد أنها حاولت أن تخلخل تركيبة القصيدة الشعرية العربية كما انطبعت في أذهان القارئ التقليدي، إذ أخاف عليها من سهولة كتابتها، لأنها لا تخضع لأي قوانين سوى قوانين الذات الشعرية، لكن هناك تجارب مهمة مثل محمد الماغوط وأنسي الحاج، وفي الإمارات توجد أسماء عدة تكتب القصيدة النثرية نذكر منها: أحمد راشد ثاني، ونجوم الغانم، وخالد بدر.
٭ ألم تسحب البساط من تحت أقدام الشعراء الكلاسيكيين؟
- لم يكن تحت أقدام الشعراء الكلاسيكيين بساط، كانت ثمة أرض خضراء معشبة، لذا أنا لا أؤمن بأنّ فنّاً يطغى على فنّ آخر، وإنما بتكامل المشهد الشعري، وأن شعرية أي من الأمم هو مجموع المنجز الشعري المكتوب والمدون والشفهي، سواء كتب باللهجة الشعبية أو الفصيحة أو كتب بالتفعيلة أو العمودي أو النبطي أو النثر، لكن يؤلمني أحياناً من يطرح بأن قصيدة النثر هي خلاصة الوعي العربي، وهي تنامي الوعي العربي الشعري، أما قصيدة التفعيلة فأعتقد أنها لم تستنفذ أغراضها بعد، ثمة أراض خصبة لم تطأها أقدام الشعراء، والشعر موهبة من دون شك وليس مسألة عبثية، لذا بعضهم ممن لم يؤسس ثقافته بالاطلاع على تجارب شعرية مهمة، ولم يقرأ جيداً في الشعر، فإنه يستسهل كتابة قصيدة النثر، هذا بوجود قارئ غير واعٍ بالشعر، يصبح من الصعب التفريق بين تجربة جادة اشتغلت على نفسها وبين تجربة استسهلت ركوب قطار قصيدة النثر.
٭ كيف تقرأ الحركة الثقافية في منطقة الخليج؟
- أنا لست مع الخصوصية الخليجية، لكني أكثر دراية بمجتمعي الخليجي من مجتمعي العربي، أعتقد أنّ هناك توجهاً في كل دول الخليج لإعطاء الثقافة حقها، بعد أن همشت وغيبت لفترة طويلة، حيث استبدّ بنا الرأي الواحد والثقافة الواحدة، مما قادنا إلى مرحلة التكفير، ومما شوه صورتنا لدى الآخر، لذا الإقبال الآن في دول الخليج على إقامة المهرجانات الثقافية هو مؤشر صحة وعافية من جهة، ومن جهة ثانية التوجه إلى الترجمة ونقل ثقافتنا إلى الآخر ونقل الثقافات الأخرى إلينا، أيضاً علامة صحة، إذ لا يمكن فصلنا عن الثقافة الإنسانية بمجملها، فالهمّ الإنساني واحد وشمولي ولا يمكن الفصل بينه، ولا يمكن التقوقع داخل قوقعتنا الخليجية بدعوة الخصوصية، لذا أحس كلما اقتربنا من الآخر كلما فهمنا، وعرف أن لدينا حضارة وثقافة وشعر وأدب وفنون عظيمة، لأن الصورة الذهنية المرسومة عند الآخر شوهتنا كثيراً بعد أحداث 11 سبتمبر، لذا الإقبال على تقديم صورتنا الحقيقية للآخر، هذا أحد عوامل حضورنا الإنساني، نحن لسنا بئر نفط فقط، بالعكس لدينا ثقافة راسخة..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق