الاثنين، 24 يناير 2011

الدكتور علي بن تميم:التقليدية تتحكم بالثقافة العربية


مؤسس أول التخصصات في الجامعات العربية حول المرأة

                    


§        الثقافة الإماراتية غامضة جداً وغير مفهومة بالنسبة إلينا .
§        نحن في الإمارات أضعنا وقتا طويلا نسلط الضوء على الآخرين وثقافتهم، ونسينا أنفسنا.
§        النقد الخليجي بحاجة إلى أن يعمق صلته بأطروحات ما بعد الاستعمار والنقد الأفروأمريكي.
§        تجاربي في الحياة جعلتني أشعر بأهمية الآخر المهمّش في حياتنا.
§        تخصص دراسات المرأة تظهر الذاكرة النسوية المغيّبة، ليست ذاكرة جامدة ونمطية، وإنما ذاكرة متحولة ومرهونة بالواقع المعاصر.

 نقرأ في سيرة الدكتور علي بن تميم أنه أتمّ دراساته العليا في المملكة الأردنية الهاشمية بالجامعة الأردنية وجامعة اليرموك، ثم درس في الولايات المتحدة (جامعة جورج تاون) والمملكة المتحدة ( جامعة إكستر).
أسس تخصصا فرعيا في جامعة الإمارات عن دراسات المرأة تحت عنوان: " المرأة والثقافة "، وهذا التخصص يعدّ من التخصصات الأولى  في الجامعات العربية، إذ يهتم بمتابعة أحدث الإصدارات النقدية الإنجليزية الأنجلوأميركية، ويسعى إلى ترجمة بعضها إلى العربية وتأويلها ليطبقها على الأدب العربي، مقارنا بين النظرية الأدبية في الغرب والنظرية الأدبية في الوطن العربي.
كما أسس شبكة "المرايا الثقافية"، وهي من أوائل الشبكات التي تحاول أن تقدم للقارئ العربي مكتبة رقمية عن الأدب العربي. ثم أسس شبكة "الذاكرة الثقافية"، فيما شارك في العديد من المؤتمرات والأمسيات الشعرية والنقدية محليا وعربيا، وكان عضوا محكّما في كثير من لجان الشعر في عدة مهرجانات من بينها مهرجان " أمير الشعراء ".
له بحوث عدة ودراسات وكتب عن النقد الأدبي الحديث والإبداع، نذكر منها: ( السرد والظاهرة الدرامية )، (النقاد ونجيب محفوظ: الرواية من النوع السردي القاتل إلى جماليات العالم الثالث)، (الصمت في دراسات ما بعد البنيوية).
توقفنا في لقائنا الثري مع الدكتور علي عند تجربته الأدبية الغنية، وتطرقنا إلى الثقافة الإماراتية التي يراها بأنها واقعة في غياب مركب، ثم سألناه عن مهرجان " أمير الشعراء "، فيما استجوبناه عن أسئلة راهنة تتعلق بالنقد الأدبي والأزمة الثقافية فضلا عن علاقة المرأة بالثقافة..
وبدأنا:

·        دعنا أولا نستكشف بداياتك الأولى ونتوقف عند أهم المحطات في تجربتك الأدبية، وما المحصلة النهائية التي وصلت إليها؟

بداياتي لم تكن لتقود إلى ما أنا عليه الآن، كنت أعدّ نفسي لأكون شاعرا، لكنّ تغلب عليّ حبي للقراءات النقدية، ومع ذلك فأنا أحاول أن أسترجع ذلك الشاعر الغائب، وكنت وما أزال يشغلني أمر هو أن أنفتح على الآخر، وأصدقك القول كنت في بداياتي مثل غيري لا أقرأ إلا النقد العربي، لكن بتفتح حواسي وجدت نفسي على ضفاف النقد الأنجلو الأميركي، وتخيل معي البداية التي كانت عربية خالصة، ثم المحصلة النهائية التي بدأت بالثقافة المهجّنة، وبإمكاني الإشارة هنا إلى أنني بدأت مقيدا بالذات، وانتهيت لأكون منفتحا ومهجّنا بالآخر. تجاربي في الحياة جعلتني أشعر بأهمية الآخر المهمش في حياتنا، ولذلك تجدني أميل لاتجاهات النقد فيما بعد البنيوية مثل التفكيك ودراسات السود والنقد البيئي ودراسات المرأة  وما بعد الاستعمار، لكنني لم أكن قادرا على استيعاب هذه الاتجاهات عن طريق الترجمة، فقررت أن أسافر إلى الولايات المتحدة وإنجلترا من أجل متابعة هذه التيارات في لغتها الأصلية، وقد نجحت في بلوغ هدفي، وهذا ما ساعد على انفتاح نافذة الآخر علي، فتابعت بشكل جيد الإصدارات الأدبية والنقدية الإنجليزية.
  
 ما رأيك بالمشهد الثقافي الإماراتي الحالي؟ وأين تكمن مواطن التميز ومواطن الضعف؟

حينما تقول الثقافة الإماراتية فإنك تلمح إلى مفهوم متعارف عليه، لكنني أصدقك القول بأننا نستخدم باستمرار مصطلح الثقافة الإماراتية دون أن نفهمه، ماذا تعني الثقافة الإماراتية؟ هذا السؤال الذي لم نطرحه حتى الآن ونناقشه، لكنني دعني أفسّر لك لماذا نحن نستخدم هذا المصطلح؟ نحن نستخدم مصطلح الثقافة الإماراتية حتى نشعر بالطمأنينة والارتياح الذاتي، نوع من تعويض الغياب الذي يجتاحنا، نستخدمه حتى نقول لأنفسنا: إننا موجودون داخل الثقافة، وأنت تسألني عن الثقافة الإماراتية، وكأنها واضحة جدا، لكنني أجزم أن الثقافة الإماراتية غامضة جدا وغير مفهومة بالنسبة إلينا. نحن في الإمارات أضعنا وقتا طويلا نسلط الضوء على الآخرين وثقافتهم، ونسينا أن نسلّط الضوء على أنفسنا، فحتى هذه الساعة لا توجد مؤسسة أكاديمية تعنى بالثقافة الإماراتية بوصفها موضوعا للبحث والتقييم والنقد، وهنا أقول لك بصراحة على الرغم من أن دولة الإمارات مرّ على قيامها أكثر من ثلث قرن إلا أن ثقافتنا المحلية واقعة في غياب مركب ، غائبة عن الإماراتيين والعرب والعالم. وأعتقد أن موطن الضعف في الثقافة الإماراتية هو وقوعها في الغياب وعدم الاهتمام بها، أما موطن التميز فيبرز في أنها رغم وقوعها في الغياب إلا أنها متسامحة، قادرة على أن تدير الضوء لتسلطه على الآخر، وهذا ما يجعلها نموذجا عظيما للإيثار والتسامح، وهل هناك أكثر إيثارا وتسامحا من أن تضع نفسك في الظلمة من أجل إعطاء الآخرين الضوء.

·        كيف تقرأ تجربة الأدباء الشباب اليوم؟ وبرأيك ما تأثير البرامج الثقافية المتنوعة كبرنامج (أمير الشعراء) في نفوس هؤلاء الشباب؟

أولا فكرة الأجيال غير واضحة في الأدب الإماراتي، لأن فكرة الجيل تقتضي مسألة الصفاء والتجانس والوحدة في التجربة، وهذا لم يتحقق في سياق دولة الإمارات إلا نادرا جدا، وإذا لم تكن فكرة الجيل واضحة وغير غامضة، فإنه من الطبيعي أن تسمع مثقفا إماراتيا يصف نفسه قائلا: " وأنا ازعم أنني جيل لوحدي " لأنه يلمح هنا إلى أن فكرة الجيل لم تعد نسقا يحكم النتاج الإبداعي والنقدي، خاصة بعد هزيمة حزيران، واليوم لا يمكن أن تتحدث عن "الجيل"، ولربما تتفق معي أن مصطلح " الجيل" قد تراجع تراجعا كبيرا في الأطروحات الأدبية. أما بالنسبة إلى الأدب المنتج بواسطة الشباب، فإنني أستطيع أن أقول إن التجربة السردية تتطور تطورا مذهلا في حين أن التجربة الشعرية في تراجع نسبي، ولا أذكر مجموعات شعرية صدرت في القرن الحادي  والعشرين للشباب في حين أستطيع أن أتذكر إصدارات متنوعة للشباب صدرت عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة مثل مجموعة قصصية لريا مهنا وليلى سالم وفاطمة الكعبي. وقد يكون على الأقل مهرجان (أمير الشعراء) مفيدا للشعراء الشباب، لأنه يسعى إلى تأسيس سياق إبداعيّ جماهيري، ومن ثم يتحقق تلقي  الشعر ضمن أفق يمكن عن طريقه فهم ما يحدث في الشعر، وهذا أهم إنجاز يمكن أن يحققه مهرجان (أمير الشعراء) بعد سنوات، ولا يمكن عد الجماليات التي أكدها المهرجان بأنها جماليات جامدة، وإنما متطورة، وأعتقد أن مهرجان  (أمير الشعراء) في السنة المقبلة سوف يسلط الضوء على جماليات مختلفة ومتجددة عند شعراء مختلفين.
 
·        هناك رأيان: الأول يقول إننا مازلنا نعيش على التجربة الشعرية التي تألقت في الستينيات والسبعينيات من دون إضافات تذكر، والرأي الثاني يقول: نشهد تجارب شعرية متميزة منذ فترة وهي مليئة بالتجديد والإضافات..ماذا تقول في ذلك؟

الرأي الأول غير مبرر، لأن تجربة الإبداع العربي قد تحولت تحولا ملحوظا بعد 1967، وهذا ما عزز مصطلحات واشكالا أدبية جديدة متنوعة في دنيا الإبداع العربي، ليس هذا فحسب وإنما هناك تحولات على مستوى التفكير النقدي أيضا، ويبدو أن في أواسط الستينات والسبعينات قد طرأت تغييرات خطيرة في مفهوم الأمة، تدعمها عوامل الهزيمة من جهة وحركات التحرر والاستقلال من جهة أخرى، فإذا تغير مفهوم  الأمة العربية عند العرب، فمن الأولى أن تتغير ذائقتهم الإبداعية!

·        كرجل أكاديمي كيف تقيم النقد الأدبي الخليجي عامة والإماراتي خاصة؟

لقد قطع النقد الخليجي شوطا مهما، بعد أن ارتبط بالنقد الأنجلوأمريكي على يد نقاد مثل الغذامي والهاشمي والزهراني والبازعي وغيرهم، ورغم ذلك فإن النقد الخليجي بحاجة إلى أن يعمق صلته بأطروحات ما بعد الاستعمار والنقد الأفروأمريكي والنقد الثقافي والنسوي والدراسات السمراء والنقد البيئي والهندي الأمريكي. وإذا تحدثت عن النقد في الإمارات خاصة، فإن المشكلة معقدة للغاية، على الرغم من وجود بعض المحاولات النقدية لكنها غير مؤثرة في السياق العام، فمازال النقاد يقرؤون النصوص الإبداعية الإماراتية بالاستفادة من الأسلوبية وبعض الأطروحات الاجتماعية التقليدية والسردية الشكلية، وتغيب مفاهيم مابعد البنيوية عن الخطاب النقدي في دولة الإمارات العربية المتحدة.  

·        لديك دراسات حول " المرأة والثقافة "، برأيك كيف تقرأ واقعها اليوم ؟ وإلى أين ستصل؟

لقد أسهمت في تأسيس تخصص دراسات المرأة في جامعة الإمارات، ويعد هذا التخصص الفرعي اليوم من أول التخصصات في الشرق الأوسط، وهو سيساعد الطلبة في دولة الإمارات على أن يكتشفوا منظورا جديدا لتحليل الظواهر الثقافية، وسينمّي لديهم القدرة على قراءة النصوص والمشاركة لأنه يعتمد منهجية ذاتية في تأويل النصوص والتمثيلات الثقافية، ويرتبط بواقعهم، علاوة على أنه يساعد المرأة على الإبداع لأنه يتحدث عن دور المرأة في التاريخ والإعلام والأدب واللغة. والمرأة عندما تتعرف على تاريخها فإنها تؤسس تقاليد إبداعية ومعرفية، وتقوم بإعادة قراءتها ضمن منظورات جديدة، فالإنسان بدون ذاكرة لا يستطيع أن يكتب أو يبدع أو يفكر، ولذلك فإن تخصص دراسات المرأة تظهر الذاكرة النسوية المغيّبة، وهذه الذاكرة ليست جامدة ونمطية، وإنما ذاكرة متحولة ومرهونة بالواقع المعاصر. وأعتقد أن واقع المرأة في دولة الإمارات واقع إيجابي جدا، وهو الذي أسهم في ظهور هذا التخصص، فقد حققت المرأة الإماراتية إنجازات كبيرة بدعم من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك. نحن في هذه التطبيقات المحورية نحاول أن نحوّل هذه الإنجازات المهمة إلى موضوع للدراسة والتحليل، من أجل توسيع أفق الطلبة وخبرتهم، وإعطائهم دافعا للمشاركة في الإبداع الثقافي.

·        هناك أزمة ثقافية في مجتمعاتنا العربية، تتمثل بأمور كثيرة، أيها أخطر؟ من يقف وراءها؟ وما الحلّ؟

لقد أسهمت الظروف السياسية في خلق أزمة في العلاقة الثقافية بين الذات والآخر، فبدت الأفكار التقليدية تتحكم في المشهد الثقافي في الوطن العربي، أقصد الأفكار التي لا ترى الآخر إلا مستعمِرا وحاقدا ومخربا، على الرغم من أن هناك أفكارا تسعى جاهدة إلى إبراز أهمية حضور الآخر في حياتنا، إلا أنها أصوات لا تستطيع أن تؤثر في التيار السائد. وأعتقد أن هذه الأزمة هي من أخطر الأزمات التي تتعرض لها مجتمعاتنا، لأنها تقود إلى تعطيل العقل وإلغائه واستخدام النقل والاتباع غير المجدي، وهذا سيقود بالضرورة إلى تيبّس الشرايين الإبداعية، أقصد تحديدا الاعتقاد بأننا نمتلك كل شيء، الحقيقة والإبداع والثقافة، ولذلك يتصور المتعصبون بأن وجودهم مقصور على  حماية الذات من الآخر الشرس المدمر، هذه الأفكار تجعلنا نعاني العزلة الذاتية، فلابد من ردم الهوة الكبيرة التي خلقتها أحداث 11 سبتمبر، ولابد من إيجاد طريقة لتفاعل الشباب مع ثقافة الآخر، حتى تظل الثقافة العربية في تحولاتها الإيجابية وعطاءاتها المميزة.  

·    تتعالى بين وقت وآخر أصوات متنوعة منها من ينادي بتغيير القواعد العربية، وآخر يعمل على فرض اللغة الانجليزية على حساب اللغة العربية.. ما تعليقك؟

بفضل مدعي الدفاع عن العربية، أصبحت اللغة العربية تعني القطيعة مع الآخر، فبدل من أن تكون اللغة العربية مصدرا للتسامح والسلام في مناهج الدراسة أصبحت عاملا من عوامل الافتراء على الآخر وتشويهه. واللغة الإنجليزية لغة مهمة وعالمية ولا يمكن تجاهلها، ومجمل الموسوعات والإصدارات الثقافية والعلمية تصدر باللغة الإنجليزية لا العربية، فالتشجيع إذن على اللغة الإنجليزية هو أمر استراتيجي، ولابد أن يعنى به عناية خاصة، وعلينا أن ننمي أنفسنا أولا، قبل أن نعزل الطلبة عن الآخرين، وأن نقوم أيضا بالعناية بلغتنا الأم وغرسها في المناهج الدراسية، ولا يمكن أن نحقق هذا الهدف عن طريق باحثين متعصبين يؤمنون بجمود اللغة وتحجرها.


·        الناقد العربي اليوم مطالب بالإجابة عن الكثير من التساؤلات والاستفسارات، فالبعض يرى أن النقد لا يواكب الإبداع الأدبي والبعض الآخر يقول إنه مغيب ويجد أن الناقد في واد والأديب والمتلقي في واد آخر.. ما رأيك بذلك؟

لقد شاع مصطلح " النقد " في الثقافة العالمية على يد النقاد الجدد New  Critics في العشرينيات بالولايات المتحدة وإنجلترا، وأصبح النقد يعني تحليل النص الأدبي، وبذلك حددت وظيفته ليكون فضلة ونصا ثانويا، في حين أن الأطروحات الأدبية الحديثة تخلت عن  استخدام مصطلح مثل " النقد " واستخدمت بدلا عنه مصطلح " النظرية الأدبية"، وهو مصطلح يسعى إلى  أن يؤكد بأن الخطاب النقدي ليس ثانويا، وإنما شكل أدبي لا يقل أهمية عن الرواية والشعر والمسرح، وبذلك فلا يمكن تقدير النقد لكونه يواكب الإبداع، لأنه هو شكل من أشكال الإبداع.

·        سؤال أخير: ما الذي يخيفك في المستقبل؟

أصدقك القول إذا قلت إن مخاوفي كلها منصبة على الحاضر، وأنا أعتقد بأن المستقبل سيكون رائعا، فلا يقلقني المستقبل أبدا، لكنني عندما أتذكر بأنني ذاهب إلى المستقبل أصاب بالقلق الوجودي، لأنني أشعر بأنني أبتعد عن الحياة وأقترب من الموت، أنأى عن الشباب والجنون والعاطفة لأقترب من الكبر والزهد والحكمة والعقل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق