الثلاثاء، 19 أبريل 2011

أدوات حديثة لثقافة الثورات



الياسمين والتحرير تسقطا كلّ نظريات المثقف العضوي


·   د.عبد السلام المسدي: ثورة الاتصال الإلكتروني خلقت واقعا جديدا مفعوله كمفعول السحر، وقد سخرها الجيل الجديد لمقاومة المؤسسة القمعية.
·   هويدا صالح: ستدخل الثورة المصرية التاريخ ليس فقط لأنها إرادة شعب انتصرت بقوة، بل لأنها أول ثورة تستفيد من التكنولوجيا الحديثة.
·       د.محمد بدران: أظهرت الثورة المصرية أثر التقنية الحديثة في تحريك الشعوب
·   أحمد فضل شبلول: شباب مصر أسقطوا كل نظريات الثقافة وتنظير المثقفين، وثورتهم جاءت متسقة مع مفردات عصرهم، عصر الاتصالات والإنترنت.

تحقيق/محمد غبريس
هذا هو الشباب العربي الحقيقي، وما أدراك ما الشباب العربي، لقد فاجأ العالم بأسره، وأدهش الداني والقاصي، ودحض كل الأقاويل المشينة التي  طالت سلوكه وواقعه ومستقبله منذ سنوات عدة، إذ حوّل المقاهي وشاشات الانترنت وأجهزة المحمول إلى مركز قيادي لا مثيل له تمّ من خلاله إطلاق الثورة الشعبية، مرفقة بعملية المواكبة والتنسيق ورصد التطورات والمستجدات، لكن أين المثقف العربي من كل ما جرى قبل الشهور الماضية القليلة حتى الآن؟ لقد استطاعت الثورتين التونسية والمصرية، أن تفضحا الكثير من الكتابات والمقالات والخطابات والمقابلات المضجرة، ومن كان يدعو إلى مواجهة الظلم وصنع التغيير، ظلّ حبيس كتبه وشعاراته وذكرياته، لأنّ دور الكثير من المثقفين في مرحلة الثورات الحقيقية لم يكن بمستوى الطموح والفعل والإرادة القوية، وكشفت هذه الأيام الرائعة، على الفجوة الكبيرة بينهم وبين التقنية الحديثة، إلا ما رحم ربي، وبعد أن كان المفكرون يصنعون الثورات وفي جعبتهم الكثير من الأمل والقليل من اليأس، ها أتى اليوم الذي اتجهت فيه البوصلة إلى مكان آخر، حيث الفايس بوك وتويتر وكل التقنية الحديثة، يكون لها الدور الرئيس في نصرة الشعوب المظلومة وتنمية المجتمع وإعادة بناء ما هدمته الأيادي القاتلة والقلوب الفاسدة.
من هنا حملنا أسئلتنا وتوجهنا بها إلى عدد من المثقفين المصريين والتونسيين، واستطلعنا آراءهم في الثورة ودور التقنية الحديثة؟

فضاء الحرية
أكد الدكتور عبد السلام المسدي أنّ الثورة التونسية حدث استثنائي بكل دلالات الاستثناء؛ جاء منعتقا من سلطا الزعامة التي تقود الجماهير، ومن
المنظومات الحزبية التي تشحن الاندفاع، ومن كل زخم الإيديولوجيا الذي يلهب المشاعر ويدفع إلى الفداء. وهو حدث سيقرأ له حسابه في تاريخنا العربي؛ لأنه خذل أقانيم عتيدة مكينة: مؤسسة الاستخبارات المحلية والإقليمية والدولية، والمؤسسة الدبلوماسية بكل ثقلها وامتداداتها، ومؤسسة الرصد الاستراتيجي والتنبؤ الاستشرافي.
أضاف:إن كان في المستقبل رهان فهو الرهان على الإصلاح السياسي الدائم في الوطن العربي، وذلك بتحريره من بلاغة المجاز وخطابة صناع القرار؛ كي ندفع به نحو فعل الاختيار، ثم الإذعان الطوعي إلى ما تبوح به صناديق الاقتراع، إنه رهان الخروج من رق الضرورة إلى فضاء الحرية.علينا - نحن المثقفين العرب - أن نتحلى بالجرأة الكاملة؛ إن كنا قد ناضلنا في سبيل خلق وعي جديد فلنا أن نواصل نضالنا متواضعين، وأن نطلب من جماهيرنا العربية أن يغفروا لنا أننا أسأنا الظن بهم حتى كدنا نيأس منهم، وإن كنّا فيما مضى قد انخرطنا في حزب الرضى كي نستفيد من عائداته فعلينا أن نؤدي كفارة الصمت ولو إلى حي.
وحول ثورة الاتصال الإلكتروني، قال د. المسدي: قد خلقت واقعا جديدا مفعوله كمفعول السحر، ولا ننس كيف كانت التقنيات الحاسوبية الأداة الجبارة بيد الأجهزة الأمنية تمارس بها سطوتها القمعية محليا ودوليا، وها هي وسائط الاتصال قد سخرها
الجيل الجديد لمقاومة المؤسسة الأمنية ذاتها فيما هو رمز لإرهاب الدولة، فكأنما السحر قد انقلب على الساحر.

الوعي الكبير
من جهتها قالت الروائية المصرية هويدا صالح التي شاركت في ثورة 25 يناير، وعاشت تفاصيلها لحظة بلحظة: رأيت زحف تلك الجموع الصاعدة نحو الضياء والتي تدوس بأقدامها كل آثار الاستبداد، رأيت تلك الجموع التي  بدأت الدعوة لتجمعها على شبكة الإنترنت عبر "جروبات" للناشطين الشباب شباب لم يتلوثوا بأكاذيب الساسة وألاعيبهم، شباب ليس لديهم مصالح أو حسابات فقط لديهم مساحة من الوعي الكبير، كنت جزءا من هذه الجروبات بحكم علاقتي الوثيقة بالميديا بدأت بتسويق الفكرة بين المثقفين الذين لم يتحمسوا في بادئ الأمر للفكرة أو ربما لم يصدقوا تماما أن هؤلاء الشباب الصغار   قادرون على تحريك الجموع، لاحظت أن بعض المثقفين يتعاملون مع الأمر بسخرية لا تليق، فوجهت لهم نداء عبر الفيس بوك أن ينضموا إلى حركة الشباب التي حددت يوما للتظاهر هو 25 يناير، يناير الغضب  ومن لن ينضم، فعليه أن يصمت ولا يسخر  وقد استجاب بعض المثثقين ووجدتهم بيننا في يوم الثلاثاء الغاضب وبعدها أدرك المثقفون أن رياح التغيير والتحرير إن شئت تهبّ الآن من ميدان التحرير، فبت كل يوم أنزل للتظاهر والاحتجاج، حيث أجد الكثيرين منهم، فكنت أفرح ها هم الأدباء صدقوا وآمنوا بهؤلاء الشباب وبات الذهاب للميدان موعدا نضربه بين بعضنا بعضا فكل يوم نتحدث ونتفق أن نتقابل في المظاهرة  وهكذا على المثقف أن يكون ضمن حركة الجماهير ولا يعزل نفسه عنها فهو جزء من هذا الشعب الذي يهب قويا متعملقا.
أما عن موقف المثقف المصري فقد تباين- تابعت هويدا كلامها- بعض المثقفين كانوا على مستوى الحدث، ونزلوا مع الشباب منذ يوم 25 يناير، لكن عددهم قليل للأسف الشديد، في حين أن الغالبية العظمي من المثقفين المصريين ظلوا في صمت وحياد إلى أن أثبتت الثورة أنها ثورة حقيقية وليست مجرد تظاهرات واحتجاجات.
وأشارت إلى أنّ اتحاد الكتاب المصريين للأسف كان موقفه مخجلا مشينا، فلم يشارك أحد من أعضائه في مظاهرات يوم 25 يناير ، وحين عدت للمنزل فجر 26 يناير وانتقدتهم بشدة على الفيس بوك، وأنهم لم يشاركوا الشعب ثورته، ووقفوا موقفا سلبيا سارع الاتحاد بإصدار بيان تضامن مع المتظاهرين، ورفض اعتقالهم. ولكنهم عادوا للصمت أياما طويلة. لم يتحركوا ثانية إلا بعد أن دعوت على الفيس بوك الكتّاب المستقلين عن الاتحاد إلى الاعتصام أمام المجلس الأعلى للثقافة، ثم الاتجاه إلى ميدان التحرير.
أضافت:تنبه الاتحاد ثانية لموقفه المخزي، فقرر أن يخرج بمسيرة من الاتحاد متجها إلى ميدان التحرير، انضموا إلينا ونحن خارجون ككتاب مستقلين من المجلس الأعلى، متجهين إلى الميدان. لكنه أيضا كان انضماما مشينا، حيث ساروا يثرثرون في هدوء ونحن خلفهم نهتف بسقوط النظام، فاضطررت ثانية إلى تعنيفهم واتهامهم بأنهم جاءوا فقط للوقوف أمام كاميرات الفضائيات.
وحول دور الميديا الحديثة في قيام هذه الثورة، أكدت صالح أن الوسيط الإلكتروني كان فاعلا بشدة في نجاح تلك الثورة، وأضافت: ستدخل هذه الثورة التاريخ ليس فقط لأنها إرادة شعب انتصرت بقوة على نظام دكتاتوري شمولي، بل لأنها أول ثورة تستفيد من التكنولوجيا الحديثة، حتى أن العالم المصري العالمي أحمد زويل وصفها بأنها فيس إيجبت.

التقنية الحديثة
أما الشاعر والناقد المصري الدكتور محمد بدران فرأى أنّ الثورة المصرية أوجدت قيـادة الشباب وقضت على النظرة السلبية التي كان المجتمع يرى فيها الشباب ليكتشف الجميع طهارة هذا الشباب وانتماءه للوطن والحـرية، كما أظهرت أثر التقنية الحديثة في تحريك الشعوب، وأن الحجب والمنع للفـضاء التقني مسـتحيل، كمـا أن رهـان المسـتقبل مرتبـط بالوعي الثقافي لمنجزات الثورة وتحقيق آمالها.
أضاف: أظن أن دور المثقف في حالة غياب لأنه لم يعد مؤثرا، لقد أخذ الشباب صاحب الثقافة التقنية زمام الأمر وغدوا  رواد الثقافة أما المثقف العربي فأخذ دور المتفرج على ميدان التحرير منتظراً النتائج لأن تقنيات العصر الحديث تجاوزت دوره الفاعل، لأنّ عددا كبيرا من المثقفين يقاطعون التقنية الحديثة التي يرونها مضيعة للوقت وأنها تعادي الورق .. لذا على المثقفين العودة إلى الجماهير وإلى التقنية.
واختتم د. بدران بالقول:إن أهم منجزات الثورة أنّها كشفت الجبن والخوف في أقلام مثقفينا، وأدعو إلى لجنة مراقبة اتجاه الكُتاب والمثقفين لتقارن بين ما كتبوه قبل الثورة وبعد الثورة لنكتشف أن معظمهم منافق وجبان .

مفاجأة مذهلة
من ناحيته قال الشاعر والباحث المصري أحمد فضل شبلول: لا أبالغ إذا قلت إنني كنت أتوقع أن تثور مصر على كل الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها طوال العقود السابقة، وكان السؤال الذي يتردد دائما بداخلي: مَنْ يثور ومتى وأين وكيف .. وأجهزة القمع موجودة في كل مكان؟ هل وهل وهل .. أسئلة كثيرة كانت تطرح نفسها. إلى أن فعلها الشباب، وكان الجميع لا يتوقع ذلك، لأننا كنا نصفه بالاسترخاء واللامبالاة وعدم الانتماء والولاء للبلاد، وإنفاق معظم وقته ما بين المقاهي وشاشات الإنترنت.
أضاف:لكنه فعلها بكل الجدية والإخلاص والولاء، وكانت المفاجأة مذهلة للجميع، مفاجأة لنا (نحن الآباء) وللكتاب والمثقفين والإعلاميين، والمفاجأة التي أربكت الجميع، أن ثورة الشباب جاءت متسقة مع مفردات عصره، عصر المعلومات والاتصالات والإنترنت والأجهزة المحمولة، التي لم يُجِدْ استعمالها معظم الأجيال السابقة، وسرعان ما فهمت الأجهزة القمعية ذلك فأوقفت العمل بشبكة الإنترنت وشبكات الموبايل، ولكن الشباب كان أكثر ذكاء وسرعة تصرف، وعرفوا كيف يتواصلون دون هذه الأجهزة.
ورأى شبلول أنّ شباب مصر أسقطوا كل نظريات الثقافة وتنظير المثقفين والمفاوضين، وتعاملوا بمنطقهم هم وثقافتهم هم. ومن هنا رأينا أن المثقفين كانوا تابعين ولم يتقدموا المشهد، بل كانوا خلفه، ومن بعيد.
تابع بالقول:لم يستشهد مثقف مصري واحد أو كاتب واحد، لأن المثقفين كانوا ـ كما رأيناهم ـ في الخلف، وعندما اطمأنوا لنجاح الثورة بعد أيام من اندلاعها، خرج بعضهم إلى ميدان التحرير، وأصدروا البيانات والتصريحات، وتفاعلوا مع الشباب، ولكن للحق أقول إن اتحاد كتاب مصر كان أول نقابة مصرية تصدر بيانا مؤيدا لثورة الشباب في أول يوم. ولكنه لم يكن وسط الميدان معهم، ولم يتعرض مثقف أو كاتب أو أديب لحملة الجِمال والحمير التي تعرض لها شبابنا في تلك الليلة السوداء الحزينة.
لذا أستطيع أن أقول إن تلك الثورة لم تكن ثورة مثقفين، وإن دور المثقف كان تاليا في المواجهة، بل إن عددا آخر من المثقفين والإعلاميين والفنانين أراد أن ينفي الثورة وهي في أوج اشتعالها.
ولكن من ناحية أخرى أستطيع أيضا أن أقول إن هناك بعض الكتابات والأعمال الأدبية والفنية والدرامية أسهمت على مدى طويل في صناعة الثورة، والدليل على ذلك أن شبابنا في ميدان التحرير كانوا يتغنون بأغاني ثورة يوليو وبأغاني الشيخ إمام وعبد الحليم وأم كلثوم، وغيرهم، بل كانوا ينشدون بلادي بلادي. وأنا الشعب لا أعرف المستحيلا، ولا أستطيع أن أنكر تأثير أفلام خالد يوسف على سبيل المثال الذي يفضح فيها المجتمع ويغوص فيها إلى الأعماق التي أراد النظام تجميلها وأنه "كل تمام يا ريس".
وحول رهانات المستقبل، رأى شبلول أنها كثيرة ومتعددة، وقال: إننا نراهن على هؤلاء الشباب في نهضة المجتمع المصري وإعادته إلى موقعه الحقيقي، لقد أثبت الشباب ولاءهم وحبهم الكبير لمصر، وأنا على ثقة أنهم سيقودون البلاد إلى آفاق عصرية جديدة لا زلنا نحلم بها.إن ثورة يناير بداية مرحلة جديدة في عمر مصر، تتطلب منا كل الجد والاجتهاد واليقظة للحفاظ على مكتسباتها، وأعتقد أنه لا وقت للبكاء، كما قال أمل دنقل، ولا وقت لتصفية الحسابات، ولنمض إلى الأمام، فالمستقبل في انتظارنا.

المثقفون العرب: للجغرافيا دور مهم في صنع التغيير والثورات



·   المنصف المزغني: اندلعت الثّوراتُ الثّلاثُ مع اعتبارٍ كبير لقاسِم الجغرافيا والجِوارِ، لكنّ القاسم المشترك الأعظم هُوَ الظُّلْمُ والجَوْرُ.
·   د: محمد الكحلاوي: الأمر لا يتصل دائما بالتقارب الجغرافي وإنما بالتجانس في مستوى البنى الهيكلية وطبيعة الأنظمة السياسية.
·       محمد الأصفر: الجغرافيا الالكترونية ساهمت بشكل كبير في نجاح هذه الثورات.
·   مصطفى عبدالله: للجغرافيا دور في انتقال شرارة الثورة من تونس إلى مصر، ثم عودتها من جديد غربا إلى ليبيا
·   مجدي بن عيسى: لها دور حاسم في مستقبل شعوب منطقتنا فلن يهنأ بعد الثورة هذه الثورات أيّ حاكم بحكمه.

كتب/محمد غبريس
لأنّ الشعوب العربية أرادت اليوم الحياة الكريمة والتحرر من براثن الخوف والظلم والحرمان، كان لا بدّ أن تنتفض من أتون الجراحات والعذابات، وأن تخلع ثوب الذل المهترئ، وترتدي بردة الكرامة الموشاة بدماء الشهداء، وكان لا بدّ أن تكسر القيد الكبير وتطلق سراح حناجرها وقبضات أيديها، لتنشد في كل الساحات والميادين، الإصلاح والتغيير ونبذ الفساد والعنف، بعد أن عانت الإهمال والتجاهل والاضطهاد لعقود طويلة، دون أي التفاتة إنسانية نبيلة، أو  أي اهتمام بمشاعر وحقوق ومتطلبات الناس، فمن خضمّ هذا  الوجع العميق اندلعت نيران الثورات الثلاث "التونسية والمصرية والليبية"، وها هي الشعوب تكتب من جديد ملحمة النصر والاستقلال، وتصنع تاريخها ومصيرها ومجدها، فيتضح لنا أن للجغرافيا دور كبير في صنع التغيير واسترداد ما أخذ بغير الحق والعدالة، وما تم استلابه أو تضييعه في كافة المجالات، دون رقيب أو حسيب، فعاث هؤلاء المسؤولون السابقون في أوطانهم فسادا ونهبوا خيراتها وثوراتها وهم مدركون وواعون لكل ما فعلوه وما اقترفته أيديهم الآثمة.
"دبي الثقافية" تستطلع أراء كوكبة من الكتاب والأدباء العرب حول دور الجغرافيا في صنع الثورات وإحداث التغيير والإصلاح!

حركة دائبة
من جهته قال الشاعر المنصف المزغني مدير بيت الشعر في تونس:طارت الثورة التونسية (14 جانفي) شرقا وحطّت في مصر (25 يناير) وفضّلت العودة برًّا وكان لابُدَّ من المرور على نظام ليبيا (17 فيفري) الذي يعرف عقيدهُ أنّ للجغرافيا تأثيرا، فقد احترق جَارَاهُ ليجد نفسه واقعا بين كمّاشتَيْ ثورتَيْن على الأخوَيْن المُزْمنَيْن.
وأضاف: إذا أراد الشعبان التونسي والمصري إسقاط الرئيس، فإنّ العقيد الليبي يريد إسقاط الشعب أرضًا، ليعلن الثورة على الشعب باعتبارِ شخصه رمزًا مزدوجًا للثورة والشعب !!
ولفت المزغني إلى أنّ الثورات الثلاث بدأت لكي لا تنتهي في يوم اندلاعها لأنّ الشعب، بقيادة الشباب، يُوَاصِلُ إسقاط ذيول الحكومة في تونس ومصر ويتسلَّح بالقدرة على المشاركة في جعل الثورة حركةً دائبةً بالحراسة واليقظة.
ثم قال: لقد دشنت الثورة التونسية عصر العولمة بثورتها التي استخدمتْ فيها الوسائط الحديثة بما جعلها سلطة رابعة رادعة، ولكنّ الفيسبوك لا يصنع الثورة، إنّه يُساعدُ عليها إن وَجَدت الثّورةُ أرضيّة خصبة لاشتعالها، وكان الفسادُ قد جاوز المدَى، فَسَرَح ومَرَحَ وشطَحَ في تونس ومصر وليبيا وهكذا اندلعت الثّوراتُ الثّلاثُ مع اعتبارٍ كبير لقاسِم الجغرافيا والجِوارِ، لكنّ القاسم المشترك الأعظم هُوَ الظُّلْمُ والجَوْرُ.

قطار القمع
أما الباحث التونسي  الدكتور محمد الكحلاوي فرأى أنه إذا وضع الفرد مسافة تفكّر في هذه الثورات التي شهدتها وتشهدها بلدان عربية إسلامية كثيرة، وأراد معرفة اندلاعها في فترة زمنية واحدة، وفي بلدان متقاربة عليه أن يتجاوز ذاك التفسير الأول الذي يرّد الأمر إلى تفاقم الظلم والقمع والحيف الاجتماعي إلى الكشف عن تلك العوامل الهيكلية والعميقة في  مستوى البنى الاقتصاديّة والاجتماعية وطبيعة الحياة السياسية ونوعية الخطاب الإعلامي السائد الرّسمي منه خاصة.
وأضاف:لقد كان كل شيء يجري في اتجاه ضمان مزيد استمرار لتك الأنظمة البائدة، ومنحها شرعية غدت فاقدة لها أو غير قادرة حتّى على امتلاكها مرّة أخرى لتفاقم الظلم والتمويه والمغالطة، وإهمال حقوق المواطنين لاسيّما الشباب منهم، ففي تونس وإن بذلت القوى السياسية المعارضة والممثلة للمجتمع المدني وبعض الشرفاء الوطنين ممن كانوا محسوبين على النظام جهودًا لأجل الإصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في السنوات الأخيرة، فإن قطار القمع والظلم والتلاعب بالأموال العمومية تجاوز كلّ تلك المساعي وهّمشها، وبقى يدعو إلى استمرار النظام السائد، وأظن أن الأمر نفسه أو يكاد كان قائما في مصر للتجانس في طبيعة البنى الهيكلية ونوعية الأنظمة ومظاهر الظلم، وتأثرت بذلك ليبيا التي ترزح تحت  نير حكم ديكتاتوري عسكري لتنتفض رافضة لذاك النظام الجائر.
وخلص الكحلاوي إلى أنّ الأمر لا يتصل دائما بالتقارب الجغرافي وإنما بالتجانس في مستوى البنى الهيكلية وطبيعة الأنظمة السياسية، واندلاع الثورة في اليمن الشقيق المشابه في حكمه لما كان في تونس ومصر يؤكد ذلك. وما نخلص إليه هو أن ارتفاع مستوى الوعي المدني لدى شبابنا، وتبادل المعلومة عبر أجهزة الاتصال الحديثة بسرعة من أسباب نجاح الثورات.

نار السلطة
من ناحيته اعتبر الروائي الليبي محمد الأصفر أنّ ما حدث في تونس ومصر وليبيا وسيحدث في عدة بلدان عربية ومن كل قارات العالم شيء متوقع جدا فالظلم والقهر والكذب على الشعوب ونهبها في وضح النهار وأمام أعينها شيء غير محتمل خاصة بالنسبة للجيل الجديد الذي يرى مستقبله الزاهر يتبدد من أمام عينيه من قبل عدة طغاة ولصوص سلطة وعسكر  خمسيني وستيني أكل عليه الدهر وشرب، خاصة أن هذا الجيل قد انفتح مبكرا على العالم من خلال السفر والدخول إلى شبكة المعلومات ومتابعته للفضائيات وبرامجها المتنوعة، يرى الحياة في التلفاز في العالم الآخر غير التي يعيشها في الواقع، يتواصل مع العالم الآخر ويتبادل معه الأفكار والرؤى، يسأل نفسه دائما ما الذي ينقصنا كي نعيش حياة كريمة، فتأتيه الإجابة ينقصنا الحرية، والحرية دونها نار السلطة الغاشمة، التي تخوفنا دائما بالاستعمار والرجعية والموساد والقاعدة وغيرها من الاكليشات التي تستخدمها ميديا الديكتاتورية وإعلامها الشمولي.
وأشار الأصفر إلى أنّ هذا الجيل الذي لم يتعلم جيدا ولا يجيد الخط والإملاء يرى الحياة الجميلة ويريد أن يعيشها ومن هنا حرق البوعزيزي نفسه تعبيرا عن تفاهة النار أمام الحرية، وهذه النار التي أحرقت البوعزيزي لم يعد الشباب يخافها وواجهها بصدر عار في تونس ومصر وليبيا وانتصر وانتزع حريته من مخالب السلطة ليمنح للعالم درسا يقول لا لليأس، لا للمستحيل، النار والحديد صنعهما الإنسان والذي صنعهما لن يعجز عن حرقهما وزرع الحرية في كل الربوع
فيما رأى الأصفر ان الجغرافيا الالكترونية هي التي ساهمت بشكل كبير في نجاح هذه الثورات، وبالنسبة لليبيا فجاءت كثالث ثورة بعد تونس ومصر لا علاقة لذلك بالجغرافيا بقدر أن هناك علاقة طريفة بنكتة تونسية قالتها إحدى فتيات تونس بعد نجاح ثورة مصر ساخرة من الليبيين حيث وقفت في تونس ووجهها ناحية ليبيا وقالت لليبيين في ليبيا " طبسوا " خلوني انشوف مصر .. وطبسوا بالدارجة الليبية معناها انحنوا وانخفضوا ولا تقفوا حتى تحجبوا عني رؤية الثوار المصريين ..
أضاف:معروف عن الليبيين منذ أيام الاستعمار الايطالي شجاعتهم النادرة حتى أنهم كما ورد في فيلم عمر المختار يربطون أرجلهم بالحبال حتى لا يتقهقروا أمام الدبابات قائلين " أهلا بالجنة جت تدنى .. فثورتنا والحمد لله لم تعرف استخدام الرصاص المطاطي لكبحها أو الماء الساخن أو القنابل المسيلة للدموع أو غيرها من وسائل مكافحة الشغب إنما جابهتها السلطة الدكتاتورية الغاشمة بالرصاص الحي الحارق الخارق وذخيرة مدافع الطائرات وحتى بالقصف الجوي مباشرة لكن الشجاعة هزمت النار ولم يخيب هذا الجيل عمر المختار عندما قال نحن شعب لا نستسلم ننتصر أو نموت.

إرادة الحياة
أما الكاتب المصري مصطفى عبد الله، رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب" فقال: مصريتي لن تمنعني من أن أقر بأن أحفاد أبي القاسم الشابي.. ابن توزر.. صاحب "إرادة الحياة" هم الذين أشعلوا شرارة الثورة في عالمنا في مطالع هذه الألفية الثالثة عندما هبوا منفجرين بعد نفاد صبرهم على ظلم الطغاة الذين سلبوهم الحق في الحياة الكريمة التي يستأهلونها كشعب واعٍٍٍ مثقف، جذوره تمتد في أرض العروبة، وترتفع فروعه في فضاء الدنيا الرحب.
ولولا إرادة هذا الشعب التونسي – يتابع عبدالله كلامه- ما نال بو عزيزي، الذي اعترض بإشعال النار في نفسه، كل هذه الأهمية، لأن نظام بن علي ألجأ مئات الأشقاء في تونس إلى أن يسلكوا نفس هذا الطريق من أجل الخلاص من قسوة الواقع وظلمه.
أضاف: من المؤكد أننا في مصر تأملنا ملياً درس تونس ونحن نغلي قبل أن نثور وننفجر. وأكاد أقول إن "باترون" تونس كان هو الدليل لثورتنا المصرية المباركة التي أطاحت بنظام ثابت الدعائم مستقر الأركان، نظام ما كان لأحد أن يتصور أنه يمكن أن يزول، وأن يزيل من تسول له نفسه أن يجاهر بمناهضته.
ثم أكمل عبدالله موضحا: وبهذا يمكن آلا ننفي دور الجغرافيا في انتقال شرارة الثورة من تونس إلى مصر، ثم عودتها من جديد غربا إلى ليبيا التي كان زعيمها أشد المساندين لبن علي حتى وهو يترنح في رقصته الأخيرة قبل أن يسقط، أو قبل أن يترك شعبه وبلده مشتعلاً لينجو بجلده.
واختتم قائلا: أتصور أن موقف القذافي من بن علي كان سببا قوياً من أسباب التعجيل بالثورة الليبية ضده.هذه الثورة التي تُستنسخ بنفس "الباترون" في اليمن والبحرين، وبدرجات أقل في أوطان عربية أخرى.

الحريق المبارك
الشاعر مجدي بن عيسى قال: أعتقد أنّ هذه الثورات كانت جاهزة للاندلاع خلال السنوات القليلة الماضية، بفعل عوامل كثيرة تضافرت خلال عقود الاستقلال، وانتظرت الشرارة التي أشعلت جسد البوعزيزي الناحل، ليندلع بعدها الحريق التونسيّ المبارك، والذي أشعل بدوره براكين عربيّة خامدة، وجدت في الثورة التونسيّة القادح المعنويّ لتنفجر بدورها.
أضاف: ما حدث في تونس ومصر وما يحدث في ليبيا، لم يأت من فراغ ولا صدر بعد فترة من الصمت، الصمت والخمول الذي بدت عليه الروح العربيّة خلال السنوات الطويلة السابقة كان عتمة أرادت الأنظمة المنهارة والتي ما تزال تقاوم انهيارها أن تظهر بها للعالم الحرّ، لتسوّق بها صورة يحبّ الغرب أن يراها فينا ليطمأن على استثماراته السياسيّة والاقتصاديّة، أقصد ديمومة المشروع الاستعماري والصهيوني في منطقتنا.
ورأى بن عيسى أنّ لقد الثورات كانت تحقّقا طبيعيّا، إن لم أقل حتميّا، لتوازن مختلّ بين شعوب شابة في معظمها تربت وتثقفت على عدد من القيم الكونيّة التي تعلي من قيمة الفرد وحرياته، وبين حكومات شاخت ولم يعد بمقدورها أن تستوعب وتهضم المتغيرات العالميّة الجديدة من حولها وتترجمه إلى سياسات قادرة على الاستجابة لطموحات شعوبها وتطلعاتها إلى الحرية والكرامة والعدالة.
وأشار إلى أنّ للجغرافيا في هذا السياق دور حاسم في مستقبل شعوب منطقتنا فلن يهنأ بعد الثورة التونسيّة المباركة أيّ حاكم بحكمه، إلاّ إذا استطاع أن يتدارك أمره، وهي مهمّة صعبة إذا لم نقل مستحيلة أمام اللهيب المستعر الذي يمتدّ بسرعة في أرجاء الأقطار العربيّة، في مقابل خمول راسخ في دواليب مؤسسات الحكم، وقصر نظر مزمن لدى الساسة والحكّام، وسيخطأ أغلبهم التقدير إذا حسب أنّ الأمر متعلّق ببضعة ملايين من الدولارات تقدّم للشعوب في شكل هبات "سلطانيّة" أو استثمارات اقتصاديّة.


الأربعاء، 13 أبريل 2011

غبريس ودرباس يقرآن في بيت الشعر


الخميس ,14/04/2011
الشارقة “الخليج”:
1/1
على امتداد نحو الساعة، احتضن بيت الشعر في الشارقة، أمس الأول، أمسية للشاعرين محمد غبريس وعبدالرزاق درباس، وقدم لها الزميل الأديب نواف يونس . كسر يونس طريقة التقديم التقليدية للأمسية، من خلال تقويمه للخط البياني للأمسيات التي يقوم بيت الشعر باستضافتها، وذلك عبر التركيز على كيفية التعامل مع هذه الأمسيات من قبل وسائل الإعلام التي ينبغي ألا تتناولها كمجرد خبر إعلامي، فحسب، بل أن يتم التركيز على النتاجات المقروءة، وتناولها نقدياً .ثم قدم إضاءة أولى على السيرة الإبداعية لكلا الشاعرين .

قرأ غبريس عدداً من القصائد الجديدة ومن بينها: العاطفة-بيروت- صهوة الخاتمة، زاوج خلالها بين نصوص كتبها على التفعيلة وأخرى على عمود الشعر، استحوذت اهتمام الحضور، وقد لفت نص “صهوة الخاتمة” الانتباه إليه على نحو خاص، حيث كان له وقعه الخاص في نفوس المتلقين من جمهور الشعر، على اختلاف رؤاهم ومشاربهم، وذلك لمزاوجته بين الأصالة والحداثة، بما في ذلك ضربا الإيقاع اللذان برزا على نحو جلي، كما ركّز على الرمز “فاطمة” لئلا تكون مجرد أنثى، بل وطناً، وقضية وحلماً في آن واحد، ومما جاء في هذا النص:

“فاطمه

كانت تمشي في كل الشوارع

والحدقات

يجمع خطوتها الغيم

يسكبها مطراً

يتسلق جبهتها قمر الصحراء البهي

يمد يديه الناصعتين

يضيء ليالينا القاتمه”

واستطاع الشاعر درباس أن يحقق معادلة التواصل مع متلقيه، من خلال جمالية الصور وبراعة التقنية التي تتميز بها قصيدته، وجاءت قصيدة “موانئ النورس” التي صاغها على البحر الكامل، لتقدم شوقه وحنينه إلى مسقط رأسه، بعد أن غاب عنه طويلاً، وإن كان يدري في قرارته أنه “حين يبتعد النورس يحن للعش وحين يأوي يفرد جناحيه مغادراً” يقول:

يا موطني قل لي: متى تلقاني؟

فلظى عذاب البعد قد أضناني

لك في حنايا الروح لحن تشوق

وعلى شفاه البوح دفق معانِ

تباً لخارطة النوى وحدودها     

سقيت بغيث مدامعي الهتّانِ

الله يا عهد الطفولة والصبا

خانتك أيامي وطول زماني

الثلاثاء، 12 أبريل 2011

محمد غبريس: 'أمير الشعراء' يستعيد وهج الشعر


 
الشاعر اللبناني يسلط الضوء على أرقى الفنون ويعتبر أن المشكلة بالنسبة للحركة الشعرية العربية تكمن في النقد.
 
ميدل ايست أونلاين
كتب - محمد الحمامصي
كثير من الشعراء وقليل من النقاد
يملك الشاعر اللبناني محمد غبريس المشارك ضمن مسابقة أمير الشعراء التي تنظمها أكاديمية الشعر إحدى مشروعات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، حضورا لافتا من خلال تجربته المتميزة التي تسعى إلى تقديم رؤية شعرية مغايرة وامتلاك خصوصية في لغتها وصورها ودلالاتها.
وغبريس حاصل على الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية كلية التوثيق والإعلام، اختصاص الصحافة ووكالات الأنباء، وشارك في عدة مهرجانات شعرية وفعاليات ثقافية عربية، ويكتب في العديد من المجلات الثقافية والفنية والفكرية إلى جانب المواقع الإلكترونية الأدبية.
وله مجموعتان شعريتان: الأولى تحت عنوان "معشوقتي في رحيل دائم" والثانية عنوانها "نبض الأقحوان"، إضافة إلى كتاب قيد الطبع،عنوانه " قريبا منهم: كيف ينظر المثقف الإماراتي إلى المشهد الثقافي؟"، وهو عضو جمعية الصحفيين الإماراتيين، ويعمل محرر صحفي في مجلة "دبي الثقافية" /دار الصدى للصحافة منذ العام 2004. أعدّ وكتب وحرّر عدة ملاحق متنوعة، أهمها ملحق "محمد بن راشد في عيون الإمارات"، صدر مع مجلة "الصدى".
في البداية لفت محمد غبريس إلى أنه ليس ممن يدّعون الشعر، ويهتفون ليل نهار باسمه، وليس من أولئك الذين إذا كتب الواحد منهم بيتاً أصبح شاعرا ذا تجربة مهمة، لكن "أنا بكل تواضع، أعتز بموهبتي الشعرية، وأشكر الله على منحي هذه الملكة، ومازلت في بداية الطريق، لدي بعض المحاولات، منها الناجحة ومنها الفاشلة، أجرب كثيرا، أحاول أن أقدم نصوصا تتوفر فيها كل العناصر الشعرية والجمالية، ولا أطلب أكثر من ذلك"
وقال "بدأت كتابة الشعر في سن مبكرة، وكانت الكتابات عبارة عن نصوص نثرية أبث فيها كل ما يعتمل في صدري من أحاسيس ومشاعر، وعملت على تطوير أدواتي وقدراتي شيئا فشيئا، حتى تجرأت وكتبت القصيدة الكلاسيكية والتي تعدّ الجسر الآمن إلى كتابة الأنواع الأخرى من الشعر كشعر التفعيلة والنثر، بعد ذلك أصرّ بعض أصدقائي على أن أجمع القصائد في ديوان، وبفضل تشجيعهم ودعمهم المعنوي والمادي، أصدرت المجموعة الأولى تحت عنوان 'معشوقتي في رحيل دائم'، وقد ظل لدي هذا الزخم إلى أنّ تركت بلدي لبنان وأتيت إلى دولة الإمارات بحثا عن فرصة للعمل، فاشتغلت في دار الصدى للصحافة والنشر، في مجلة 'دبي الثقافية' محررا صحافيا".
وأضاف غبريس "الفترة من 2004 إلى 2010، شهدت تراجعا في اهتمامي بالشعر، والسبب هو أنني كنت أصب كل جهودي وقدراتي في عملي، فالصحافة سرقتني من الأدب، ولأنني أعمل في الصحافة الثقافية، ظللت أعيش القصيدة وباقي الفنون من خلال موقعي الصحفي، ولكن قبل سنة تقريبا، شعرت بأنني أثّبت نفسي أولا في المجال الإعلامي، واستطعت أن أمدّ جسورا من التواصل مع كافة المؤسسات والأفراد في كل أنحاء الوطن العربي، وبقي أن أستعيد وهج قصيدتي، وأنّ أخصص وقتا إضافيا للشعر، فأصدرت ديواني الثاني قبل ثلاثة اشهر تحت عنوان 'نبض الأقحوان' عن دار الحوار بدمشق، وسوف يكون لي ديوان كل سنة مع معرض الشارقة الدولي للكتاب".
وحول المفهوم أو الرؤية التي ينطلق منها في كتابته أكد أنه ربما ليس هناك رؤية بمعناها الأوسع و"لكن توجد بعض العناوين التي أتعكز عليها في درب الحياة الوعر، فبقدر ما أكون صادقا مع نفسي ومصارحا لذاتي، تكون القصيدة أكثر توهجا وأقل توعكا، وبقدر ما أكون ملامسا للقضايا والواقع، مبللا بمائها اليومي، وغارقا في حلوها ومرها، يكون للشعر في ذلك أوكسجين الزمان والمكان، وتدفق الخفقة العطرة، واتساع رقعة الحلم والأمل".
وأكد الشاعر اللبناني أن برنامج أمير الشعراء استطاع منذ انطلاقته إلى الآن أن يستعيد وهج الشعر ويسلط الضوء على أرقى الفنون وأكثرها تميزا، كما استطاع أن يضخ دماء جديدة في الحركة الشعرية العربية، من خلال إبراز المواهب الشابة المتميزة ومنحها "الفرصة الذهبية" للنمو والعطاء، خصوصا أنه يتم بثه على شاشة تلفزيون أبوظبي، وعلى الهواء مباشرة، "إضافة إلى أن إشراك الجمهور ومتذوقي الشعر في اختيار شاعره المفضل عبر الرسائل النصية، أضفى جوا جميلا وممتعا من الإثارة والحماس والتشجيع، فالفضل في ذلك يعود إلى هيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي تستحق كل الشكر والتقدير على كل ما تقدمه للثقافة والفن والأدب، بدءا من معرض أبوظبي الدولي للكتاب مرورا بمهرجان أبوظبي السينمائي وجائزة الشيخ زايد للكتاب وصولا إلى شاعر المليون ومشروع كلمة".
وعن رأيه في المشهد الشعر العربي والتفاعلات القائمة بين أشكال القصيدة من عمودية وتفعيلية ونثرية، قال غبريس "المشهد الشعري العربي، بخير إلى حدّ ما، ويتقدم نحو الأمام وليس إلى الوراء كما هو حاصل في بعض الفنون والآداب الأخرى، وأعتقد - من وجهة نظري المتواضعة – أنّ التفاعلات القائمة بين أشكال القصيدة من عمودية وتفعيلية ونثرية، ساهمت في تطور الشعر، وتنوع مدارسه واتجاهاته، ولعل الصراح الساخن بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، هو لمصلحة الشعر وليس على حساب الشعر".
ورأى غبريس أن المشكلة بالنسبة للحركة الشعرية العربية تكمن في النقد "فعلى الرغم من وجود حركة شعرية كبيرة في الوطن العربي، وازدياد عدد الشعراء بشكل هائل يوما بعد يوم، مع زيادة ملحوظة في عدد المؤلفات والإصدارات، وفي عدد دور النشر العربية، إلا أنّ النقد عاجز على مواكبة هذه الحركة واستيعابها، فضلا عن غربلة النتاج الشعري وإعادة توجيه الدفة إلى المسار السليم"
وقال إن هناك سببين يقفان وراء هذا العجز النقدي "الأوّل يتمثل برحيل معظم النقاد الكبار الذين استطاعوا بموضوعيتهم المعروفة ومصداقيتهم وجرأتهم ونبل رسالتهم وحرصهم الشديد على التمييز بين الغث والسمين والنافع، من هنا اكتسبوا ثقة القارئ ولبوا احتياجاته، كما لعبوا دورا كبيرا في تنشيط الحركة الثقافية، أما السبب الثاني فيتمثل بعدم وجود مساحات كافية للنقد في كافة الوسائل الإعلامية، ففي الصحف هناك أولوية للأخبار ونشر بعض النصوص الإبداعية، وفي المجلات الثقافية هناك اهتمام بالحوارات والتحقيقات والاستطلاعات، فضلا عن تسليط الضوء على صدور الكتب والمؤلفات الأدبية، وفي المقابل يوجد حراك نقدي فردي متوجا ببعض الإصدارات والندوات المتخصصة".