الثلاثاء، 8 فبراير 2011

الشاعرة صالحة غابش:أين دور المثقف الإماراتي؟!






·        حاضرنا في حاجة إلى عصارة الفكر لتغيير واقعه إلى اتجاهٍ أكثر تلبية لمتطلباتنا الثقافية الحضارية.
·        الجهد العربي الإسلامي غير كاف لتمكين ثقافتنا الإنسانية من الانتشار عبر قارات العالم كله.
·        لولا المبدعون العرب لأغلقت أبواب اتحاد كتاب وأدباء الإمارات من زمان.
·    المسرح الإماراتي بحاجة إلى الغوص في القضايا المعاصرة للمجتمع، وعدم الاكتفاء بالوقوف عند التراث وقصص الماضي.

حوار / محمد غبريس
من يقرأ سيرة الشاعرة الإماراتية صالحة عبيد غابش، سيجد أنّ لها تجربة أدبية ثرية، فهي منذ أن خطت خطوتها الأولى في درب الشعر، وضعت نصب أعينها طموحات وأحلام زاهية، حيث زرعت بستانها الملون وردة وردة، وأثبتت وجودها في الساحة الإماراتية والخليجية عبر مشاركاتها الكثيفة في أمسيات وندوات وفعاليات ثقافية في داخل الإمارات وخارجها، وقد تألقت بكفاءتها ومهارتها في الكثير من المواقع، إذ ترأست إدارة الشئون الثقافية في أندية الفتيات بالشارقة،  وشغلت منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأسرة في الشارقة ومديرة تحرير مجلة "مرامي" التي تصدر عن المجلس، وأخيرا تقلدت منصب المستشار بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة.
صالحة غابش حاصلة على شهادة بكالوريوس آداب قسم الدراسات الإسلامية واللغة العربية من جامعة الإمارات، وماجستير تمهيدي من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة.لها العديد من المؤلفات الأدبية في مجال الشعر والقصة والكتابات المسرحية منها: " بانتظار الشمس"، "المرايا ليست هي"، " الآن عرفت"،  "بمن يا بثين تلوذين "، " نداء من هناك"، " الملكة..المرأة والسلطة".


·        حدثينا عن بداياتك الأولى؟وما أهم المحطات الأساسية في تجربتك؟ وماذا عن منجزك الإبداعي؟
بداياتي انطلقت من حب عميق لمادة اللغة العربية وتعلق شديد بالنصوص الشعرية التي درستها في مرحلة مبكرة من مراحل الدراسية، وازداد تعلقي بها وتفوقي في دراستها إلى درجة أردتُ خلالها استخدام حروفها في صياغة كتاباتي الخاصة.. وقد بدأت كتابة القصة القصيرة، ثم انعطفت إلى الشعر واستمررت أجول في فضائه، وإن كان الحنين لكتابة القصة يراودني بين آن وآخر.
أما عن أهم المحطات في تجربتي فهي إصدار الديوان الأوّل "بانتظار الشمس"، ومشاركتي في العديد من الأمسيات الشعرية في البلاد العربية، وكتابة رواية هي قيد الإصدار حالياً.

·        ما القضايا التي تجدين نفسك محاصرة بها، وتدفعك للتعبير عنها شعرياً؟
هي قضية الإنسان، إذ إنّ كلّ القضايا مختزلة فيها، لأنها القضية الأساسية في الحياة.. الإنسان وعلاقته بالأرض، وعلاقته بالكون، كذلك علاقته بالآخر، والمشاعر التي تكتنف هذه العلاقة. بل وحتى علاقته بذاته. كيف يفهمها وعلى أي نسق يريدها أن تمضي؟ وبماذا يفجر مكامن هذه الذات كي ترفده بالشعر والقصة والرواية والمسرحية وسواها؟
فحين أمرّ على مشهد حزين أكتب عنه وعن ذاتي التي استلهمت الحزن من المشهد.. إن أكثر ما يدفعني إلى الكتابة حقاً في تلك اللحظات التي أشعر فيها بالحصار وأريد أن أنطلق منه إلى الكتابة.

·        كيف تنظرين إلى المشهد الثقافي في الإمارات؟ وكيف تقيمين دور المثقف الإماراتي في هذه المرحلة؟
هناك حراك ثقافي على مستوى إمارات الدولة، كما هناك طموحات وآمال في أن يتخذ هذا الحراك مؤثراً في المسار الفكري والوجداني والثقافي لمجتمعنا.تردنا عبر الهواتف المتحركة رسائل الـ sms  محملة بالإعلانات المحفزة لحضور برامج ثقافية هنا وهناك. ونقرأ في الصحف والمجلات عن نتاج فكري لا بدّ أن يكون مؤثراً بشكل ايجابي عميق في المتلقي،لاسيما الفعاليات الثقافية الكبيرة ذات الطابع الإقليمي أو العالمي. في الشارقة ودبي وأبو ظبي.. تتعدد المشاريع الثقافية التي ترسم مستقبل الفرد والمجتمع ومن ثم ترسم مستقبل الوطن. وكذلك في الإمارات الأخرى.. ولكن السؤال: أين المثقف الإماراتي؟ إنّ سؤالك عن تقييم دور المثقف الإماراتي يحمل أكثر من بعد واتجاه وهو سؤال مشروع أتمنى أن يأتي اليوم الذي تكون فيه الإجابة عنه واضحة.

·        كيف تقيمين الإبداع النسائي القصصي في الإمارات؟ وما مدى حضور المرأة في المشهد الثقافي والإنتاج الفكري؟
الإبداع النسائي القصصي متطور ويواكب الحداثة في طرح الموضوعات الاجتماعية وقادر على سبر التفاصيل بما تتيحه رؤية المرأة المبدعة وعمق ثقافتها وقدرتها على قراءة الواقع، ولكن للأسف منقطع. بمعنى أن القصة القصيرة الإماراتية بقلم المرأة لا يستمر، فعند مستوى النضج الإبداعي توقفت كثيرات من الكاتبات وانشغلت الواحدة منهن عن إبداعها بأمور أخرى كالعمل والأسرة وربما لأسباب أخرى. مثلها مثل الشاعرات اللواتي توقفن عن نشر ما يكتبن ( ولا أظن أنهن توقفن عن الكتابة ذاتها).ومع ذلك فهناك أسماء جديدة بدأت تطلّ على ساحة الإبداع القصصي النسائي مثل: عائشة الكعبي وعائشة عبدالله وفاطمة المزروعي ونجيبة الرفاعي وسواهن ممن تبشر أقلامهن بإبداع متميز لا على المستوى المحلي ولكن على مستوى الوطن العربي إذا ما حظيت هذه الأقلام بالرعاية الكافية من قبل كل الجهات التي يعنيها إظهار إبداع الإمارات على المستوى الإقليمي .

·        يقولون إن المستقبل للرواية، فماذا تقولين أنت؟ وكيف ترين مستقبل الشعر؟
إنّ التصنيفات الزمنية للأعمال الإبداعية اختراع نظري لبعض من يعشقون التوقعات من دون أن ينظروا بعين الموضوعية للتجارب الإنسانية في الإبداع. فالشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح وسواها من الأصناف الأدبية موجودة الآن وحاضرة في الماضي وستبقى – إن شاء الله-  في المستقبل طالما هناك إنسان يعيش على هذه الأرض وإن كانت بنسب متفاوتة. قد يستحوذ أحدها على الأضواء حسب ما يتصف به العصر من اتجاه فكري ثقافي ولكن لا يعني أن الأصناف الأخرى ستكون ماضياً داثراً لا ذكر له إلا في الكتب والصحائف.
ثم دعونا من المستقبل ، لماذا نشغل أنفسنا به ما دام حاضرنا في حاجة إلى عصارة الفكر لتغيير واقعه إلى اتجاهٍ أكثر تلبية لمتطلباتنا الثقافية الحضارية؟ لقد قال الأولون: الشعر ديوان العرب. فليس من السهل أن يتراجع مئة في المئة تاركا خريطته كلها للرواية بحيث يصبح العرب من دون مستندهم الأساسي في الإبداع. فالمتغيرات تتطور وتتغير معها أشياء كثيرة في الحياة. ولكن التجارب الإنسانية الجميلة لا تنسى لأنها لا تترك مكانها ببساطة من تاريخ إبداعات البشر فيها.

·        كيف ترين قصيدة النثر حالياً؟ وماذا أضفت إلى الشعر العربي؟ وما موقفك من الذين لا يعترفون بشرعيتها؟
ليس لدي موقف من الذين لا يعترفون بقصيدة النثر فلكلّ إنسان رأيه وفكره واتجاهه. لكن المطلوب فقط احترام الاتجاهين من دون أن يكون كل اتجاه عدواً للآخر. إن قصيدة النثر كما نسميها نصا إبداعيا، وجدت لكي تقرأ وتخاطب الحياة عبر وجدانيات وفلسفات وأبعادٍ خيالية في الحياة. ولكن لأننا نعيش في زمنٍ جاء بأشكال إبداعية أدبية مختلفة يتيحه تداخلنا مع أمم أخرى بحيث صار العالم كما نردد قرية صغيرة، فإننا نبحث عن شرعية النثر باعتباره قصيدة، متجاوزين مقاييس القصيدة العربية التي وضعها آباؤنا وتفننوا فيها إلى درجة أدهشت أساتذة الآداب الغربيين وهم يدرسونها ويدرسونها لطلابهم. وليس هذا التأثر الوحيد الذي صادف شكل القصيدة ومحتواها.. فالتغير كان يلاحقها منذ أزمنةٍ بعيدةٍ أكثرها وضوحاً ربما تغيرها في العصر الأندلسي. ولكن –برأيي- أنه لا بدّ من إعطاء الأشياء مسمياتها، ففي ثقافتنا العربية الشعر شعر، والنثر نثر، ومع ذلك ، فإن الاختلاف في الرأي بهذا الشأن ليس بالقضية التي تستوقفنا في مسيرة الإبداع. فلكل قناعاته ، وهي قناعات  تثري التجربة الإبداعية. 

·        برأيك ما المشروع الثقافي الذي نحتاج إليه اليوم في منطقتنا العربية؟ وما دور المثقفين بخصوص ذلك؟
أهمّ مشروع ثقافي نحتاجه اليوم هو المشروع الذي يقدمنا إلى العالم، بحيث يعتمد على جذور هذه الثقافة، روحانيتها وجغرافيتها وتاريخها وإنسانها. فثقافتنا مكتنزة بما لا يوجد في الثقافات الأخرى، ولكن من المؤسف أن الجهد العربي الإسلامي غير كاف لتمكين ثقافتنا الإنسانية من الانتشار عبر قارات العالم كله، فيتعرف إلى حقيقتنا من خلالها ويغير النظرة الظالمة لعالمنا. والجهد الكبير الذي يقوم به  صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في مجال دعم الحركة الثقافية العربية الإسلامية أضحى  لافتا لانتباه العالم ، فحضور سموه في المحافل الثقافية والعلمية الدولية في دول أوروبا وأمريكا يستوقف المتابعين هناك ويدهشهم أن العالم العربي ثريّ بمشاريعه الثقافية والفكرية ليس منذ عصرنا الذي نعيش فيه، ولكنه ممتد عبر التاريخ إلى العصر الإسلامي ومن قبله وما بعده .. وبالرغم من أن كثيراً من العلماء والمستشرقين مطلعون على هذه الحقائق ولكنهم ليسوا معنيين بإظهارها لأسباب تتعلق بهم وبمصالحهم . إن المعنيين هم نحن، نحن أهل هذه الثقافة الرائدة إنسانياً، والتي تراجعت بيدنا نحن لا بيد سوانا.

·    كونك عضو في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كيف تقرئين واقعه؟ وهل يلبي طموح المبدع الإماراتي بالدرجة الأولى وخاصة أن معظم نشاطاته تفتقر إلى الحضور الإماراتي؟
اتحاد كتاب وأدباء الإمارات هو صوت المبدعين الإماراتيين قبل غيرهم
ولكن لولا المبدعون العرب لأغلقت أبوابه من زمان .. فأين هم مبدعو الإمارات عن الاتحاد؟ يسألون هم .. ويسأل الاتحاد عن ذلك !  

·    ما رأيك بالحركة المسرحية في الإمارات وخاصة أنها تشهد في السنوات الأخيرة الماضية جملة من التطورات المتميزة؟

 لا شكّ أن الحركة المسرحية في الإمارات انتعشت مع أيام الشارقة المسرحية، فقد كانت حافزاً لإنتاج العديد من المسرحيات بدعم مادي ومعنوي من صاحب السمو حاكم الشارقة.. وانضم إلى هذه الأيام مهرجان المسرح التجريبي في الفجيرة. كما أن هناك اهتمام على كافة المستويات بالمسرح الإماراتي، وأعتقد أنه يحقق نجاحاتٍ طيبة في مسيرة تطوره. خاصة وأن الهيئة العربية للمسرح أعلنت عن قيامها في الإمارات بإمارة الشارقة. وهذا مؤشر إلى ما وصل إليه الشأن المسرحي كعروض ودراسات واهتمام ثقافي كبير به.ما أتطلع إليه أن يلتفت مسرحنا إلى القضايا المعاصرة لمجتمع الإمارات، وعدم الاكتفاء بالوقوف عند التراث وقصص الماضي وملامح الخمسينات والستينات وما قبلهما ربما في الأحداث.. والاستغراق في الأشكال التجريبية ومضامينها، فالحياة المعاصرة تموج بالأحداث. وأرى أن لها أهمية أكبر من أهمية البكائيات على المشهد القديم والفجة على المشهد التجريبي. ذلك أننا أبناء هذا الزمن الذي يفاجئنا كل يوم بمشهد حياتي يستحق أن يؤطر في إبداع مسرحي .

عازف العود نصير شما : المهرجانات العربية تبحث عن شباك التذاكر فقط


أكد أن المثقف العربي أمّـــي تجاه الموسيقى



·       أشعر بأني متى توقف التجريب لدي سأعتزل الموسيقى
·   عندما أجد أن هناك علاقة ليست على نفس المستوى بيني وبين الجمهور ، أعرف أن الخلل موجود فيّ ..
·       علمني العزف على العود أن أكون مؤدبا من الداخل وأن أرى الأشياء بحلم ..
·       لو لم أكن موسيقيا لكنت شاعرا



 يحدثنا نصير عن لقائه الأول مع العود قائلا : منذ أن بلغت العاشرة من عمري حتى بدأت أبحث عن وسيلة لامتلاك آلة للعزف، وكان عود أستاذ الأناشيد يشدّني إليه وأنا أرى أصابعه تتلاعب بالأوتار فتصدر أنغاما جميلة ننشد معها ونحلق في سموات بعيدة ، تركتُ أستاذي منشغلاً ، ثم تحايلت فأمسكت عوده ورحت أعزف عليه أنغاما متقطعة لا رابط بينها ، ولكنني كنتُ أحاول أن أصنع جملة موسيقية صحيحة. فجأة دخل الأستاذ عليّ وأنا احمل عوده، كنتُ من وجهة نظري أعزف، وكان من وجهة نظره يراني ألعب، فاستحقيت العقاب، وأمسك بقلم رصاص ثم وضعه بين أصبعين من أصابعي وأمسك على يدي بشدة فغابت روحي من الألم وصرختُ. هذه الحادثة ظلت معي دائما، وكنتُ كلما تذكرتها شعرت بالألم مجددا في أصابعي، لكنها جعلتني أقسم بأنني سأتعلم العزف على العود لأصبح أفضل من أستاذي الذي عاقبني.

* في ظل هذه الأزمة العاتية التي تعصف بأمتنا العربية ، هل نردد ما قاله المسرحي سعد الله ونوس " محكمون بالأمل ، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ " ؟

- أعتقد أن أحلام اليقظة هي من تشكل الأمل الذي نبحث عنه في الحاضر والمستقبل ، فالسعي إلى الأخير يبدأ بحلم يقظ ، ثم يتحول إلى أمل لتحقيق هذا الحلم وبعد ذلك يصبح واقعاً حقيقياً .
لكن السعي إلى الوصول نحو الواقع هو أصعب ما في الموضوع ، وإن يتحقق وينجز وينجح ، هذا ما نتمناه في العمل الثقافي والإبداعي ، لأنّ أي تجربة ، تحتاج إلى فترة زمنية طويلة ، وخصوصا التجارب الخلاقة والبناءة والمرجو منها عائد ثقافي ، فالعوائد الثقافية لا تنمو هكذا ببساطة، وإنما في بيئة صالحة وفي وقت مناسب ، من خلال فترة زمنية طويلة ، بنفس وبال طويلين ، بعد ذلك سنجد أن التجارب التي تحتاج على الأقل إلى خمس سنوات كي تقطف أوّل ثمارها ،هي تجارب تعتبر سريعة ، بالنسبة إليّ فإن كل تجربة قدمتها واشتغلت عليها طيلة  مسيرتي الفنية ، قد أخذت مني هذا الحلم وهذا الوقت وذاك الأمل في التحقيق..

* أين دور الفنان في هذه الظروف الساخنة ؟

- الفنان وحده غير قادر على أن يحلّ أزمات الشعوب ، لكن أعتقد أن الإنسان بحدّ ذاته يجب أن يؤهل على كافة المستويات التي يعمل فيها تأهيلا سليما ، الأمر الذي يتم من خلاله تشكيل مجتمع مهم ، من هنا يجب أن نبني للغد الآتي ، والمستقبل الواعد، أن نحرص على التربية الصالحة داخل البيت وخارجه ، وأن نعد أجيالا جديرة بالمسؤولية والتحمل ، أن نبني كل ذلك على خط واحد ومتواز ، وبالتالي تتشكل حينئذ حركة حقيقية سواء كانت ثقافية أو نهضوية .
كما قلت لا الفنان وحده ، ولا السياسي وحده ، ولا المدرس أيضا وحده ، قادرون على أن يواجهوا الأزمة ، يجب على الكل أن يعملوا على الاستثمار في الإنسان ، وهذا يعد  أعلى قيمة يطمح إليها العالم المتحضر اليوم ، إنك تخلق من الإنسان ، بحد ذاته ، وبكينونته المتعارف عليها ، أفقاً غير متنام من العلم والثقافة والاطلاع والوعي الكامل ، ومن التجارب كذلك ، هذه كلها تعمل على خلق مجتمع حقيقي يساهم فيه الفنان بالتوازن بين ما هو ميكانيكي وما هو روحاني .. الفن أوعلم الجمال، وجد من أجل أن يجعل رؤيتك للأشياء أجمل ، والحياة فيها مساحة من التأمل الشفاف الذي يشبه ألوان الربيع ، هذا الربيع - الشهر البسيط - الذي نحتاجه في كل سنة ، هو ما يحتاجه كل الإنسان في تكوين شخصيته ..

* ما حاجات الموسيقى اليوم ؟

-  للموسيقى حاجات كثيرة ، أولا إلى مناخات تنمو فيه بسلام ، وإلى إصرار من قبل العاملين في الثقافة على أن يحققوا تواجدا موسيقيا حقيقيا ، فضلا عن أن الموسيقي يجب أن يثابر على عمله ، وأن يشعر بثقل المسؤولية على عاتقه تجاه دوره كفنان ، كذلك أن يسعى في المجتمع إلى نيل فرصته بنفسه ، على أن لا ينتظر الآخرين أن يمنحوه الفرصة ، فالجهات التنفيذية والرسمية من واجبها أن تهيأ المناخ ، لكن الموسيقي نفسه يجب أن يجتهد اجتهادا كبيرا حتى يصل إلى قلوب الناس ، وأنا شخصيا أقول : عندما أجد أن هناك علاقة ليست على نفس المستوى بيني وبين الجمهور ، أعرف أن الخلل فيّ لا في الجمهور ، إذاً علينا أن نعرف كيف نمد الجسور مع أي جمهور أيا كان مستواه الثقافي ؟ فالجسور ذلك المكان المتميز الذي يمتلكه الموسيقي هو العلم الذي يتحصل عليه ، إضافة إلى الثقافة والتكنيك وامتلاك الفنان أدواته بشكل محترف وإبداعي ..

* كيف تقرأ واقع حال المهرجانات الموسيقية العربية ؟

- منذ أشهر قليلة شاركنا في مؤتمر مهم لملتقى المهرجانات العربية الذي أقيم في الشارقة ، وقد وصلنا إلى صيغة مفادها أن المهرجانات تخلت عن دورها الثقافي وبدأت تبحث عن شباك التذاكر ، إذ تستضيف المطرب الذي يظهر أكثر في الفضائيات ، لم يعد هناك لا قديم ولا جديد  تقدمه للناس..أما عن دور المهرجانات الحقيقي فهو أن تبحث بجدية عن المبدع في الأزقة والحواري ، وتأتي به إلى الناس ، لأن مهمتها دعم التجريب في مجال الإبداع وفي كافة الأشكال الفنية ، وأن تبحث عن التجارب الناضجة جدا ، وتعمل على إعادة تقديمها ، كذلك أن تكون جسرا أمينا غير قابل للصدأ في علاقتها مع الجمهور والمبدع ، إذ إن المهرجانات للأسف  تخلت عن هذا الدور الذي اختصرته بالترفيه والتجارة، بالنسبة إلى الورقة التي قدمتها في المؤتمر فكانت تحت عنوان " المهرجانات بين التجاري والثقافي " وقد لاقت نقاشا واتفاقا كبيرين ، حيث دخل جزء من اقتراحاتي الأساسية في التوصيات النهائية ..

* هل ما زلت مؤمنا بأن المثقف العربي مبطنا بالأمية الحقيقية اتجاه الموسيقى ؟

- نعم مازلت مؤمنا ومصرا على هذه المقولة ، لأن 99% من المثقفين العرب ليست لهم أي علاقة بالموسيقى ، لكي لا نظلمهم كثيرا ، قد يكتبون عن موسيقي متميز ، ويتبنون رؤيته ، لكن من دون أن يبذلوا جهدا كبيرا في معرفة الموسيقى بشكل حقيقي ، وهم في النهاية الخاسرون خسارة عظيمة بهذا الجانب ، لأن الموسيقى ممكن تضيف جماليات لا يمكن تخيلها لعملهم أيا كان ، ولسلوكهم وحياتهم كذلك ، مثلا هناك شاعر عظيم جدا ولكنه لا يفقه شيئا في باقي الفنون ، وهناك أيضا رسام مبدع ولكنه لا يفقه بباقي الفنون ، وهذا الشيء استغرب كثيرا له ، إذ أن اهتماماتي بالفنون انطلقت في نفس الخط وفي الأهمية ذاته ، حيث تابعت الشعر والسينما والمسرح ، وقد قمت بعمل أكثر من 30 عملا مسرحيا ( موسيقى تصويرية) ، إضافة إلى أفلام سينما ، وكنت أحضر البروفات وتفاصيل القراءات حتى أتمكن من كتابة العمل الموسيقي ، من خلال ذلك تكونت لدي ثقافة غزيرة حول المسرح والسينما والفنون كلها وحتى التشكيل ، حيث قمت في الثمانينيات بتحويل معارض تشكيلية إلى أعمال موسيقية ، لكن للأسف لم أسمع في حياتي عن تشكيلي تأثر بعمل موسيقي لأي كان وحوله إلى لوحة ..

* برأيك ما تقدمه أنت ألا يغير شيئا من هذا الواقع ؟

- هذا ما أفعله حقيقة ، لأنّ عملي يدخل في صلب الثقافة ، أحاول أن أجذب المثقفين إلى عالم الموسيقى ، فيما أدفع من جهة ثانية الموسيقيين إلى عالم الثقافة ، لأن الموسيقي غير مثقف ، أنا أعده أميا وآلاتي ، وكذلك المثقف الذي لا يعرف بباقي الفنون فهو ليس بمثقف ، لأن الثقافة سلوك وليست بعض عنواين الكتب وبعض الأسماء المشهورة الطنانة ، وإعادة ترديدها مع مقولاتهم .. هي بناء داخلي حقيقي  للإنسان ..


* أذكر لنا حادثة تأثرت بها ؟

- جاءني مرة صديق كان يتعلم العزف على العود، وعندما رأيته صدمت فقد اختفت يده وأصبح بيد واحدة، صورته هذه هزتني من الأعماق فلم أستطع الكلام ، نظرت إليه، فبادرني قائلا: الآن لم يعد في وسعي أن أعزف على العود فقد انفجر لغم في يدي كما ترى وصرت بيد واحدة، ويد واحدة لا تصفق، صمت طويلا قبل أن أستطيع الرد ثم قلت له بعد أن اجتاحت نفسي قوة غريبة: لا تخف ستستطيع العزف وستكمل المشوار، فقال: كيف، قلت له: أقسم لك أني لن أعزف ثانية قبل أن أجعلك قادرا على العزف. بعد هذه الحادثة لجأت الى غرفتي مقفلا الباب على نفسي محاولا العزف بيد واحدة متناسيا يدي الثانية السليمة، وبعد فترة كانت مقطوعة (قصة حب شرقية) التي ألفتها لتعزف على يد واحدة، كانت هذه هي الخطوة الأولى للعزف لمن فقد يده أثناء الحرب وهم جنود كثر، وفي ما بعد أصبحت هذه الطريقة شائعة بين طلابي الذين أدرسهم أساليب العزف على العود.

* ما الذي يميزك عن غيرك من العازفين ؟

- أهم ميزة أني أعزف للناس البسطاء وللعموم ، ولا للنخبة كما يقال عني ، كما أني وهبت عمري وحياتي كلها للآلة العود ، وجعلتها تستوعب فيض مشاعري وأحاسيسي وأحزاني ..

* كيف تنظر إلى واقع النقد الموسيقي اليوم؟

- النقد غائب تماما في أماكن مجهولة ، وتجاربنا ظلمت ظلما حقيقيا بغيابه ، إذ لا يوجد في الوطن العربي ناقد واحد يعرف معرفة علمية ودقيقية جدا هذا الفن ، أو كان من الموسيقيين ويكتب في النقد أويمتلك اللغة والأسلوب الصحيحين ، لا يوجد هذا على الإطلاق ، والنقد اليوم ليس سوى انطباعات ، ومجرد أناس يحضرون الحفلة ويستمعون إلى المقاطع الموسيقية ، ثم يكتبون عنها انطباعاتهم وآراءهم  ، هذا هو أغلب ما يوجد لدينا ، لكن الذي غير موجود أبدا هو حركة نقدية تقيم العمل الفني وتصححه وتشرحه للناس وتعيد تقديمه ..

* حدثنا عن بيت العود العربي؟

بيت العود العربي هو واحد من أحلام اليقظة ، فكرته ولدت حين كنت طالبا في بغداد ، وعندما أصبحت أستاذا للعود في تونس ، استطعت أن أضع خطة كاملة بالخروج بنتائج منطقية وعملية في تخريج العازفين والأساتذة في العود ، هكذا تأسس المشروع بفكرة مني وبتبن من دار أوبرا المصرية عام 1998 ، ومن حينها  إلى اليوم قمنا بتخريج عدد كبير من الطلبة والأساتذة ، والآن لدينا منزل ساحر هو منزل الهراوي ، جزء منه من القرن الرابع عشر وجزء ثان من السادس عشر ، لدينا ستون طالبا من جنسيات عربية وأوروبية ، خريجو بيت العود أصبحوا أساتذة فيه ، فتحنا فرع أول في الجزائر ، والآن الفرع الثاني على قيد الإنشاء في الأردن ، وهناك فرع نفكر به جديا ونناقشه في الخليج ربما سيكون في الإمارات ..ووزارة الثقافة المصرية هي التي تدعم المشروع وتموله ..


* لديك اهتمامات كثيرة بالشعر ، حدثنا عن دوره في موسيقاك؟

- أولا أسعى دائما إلى أن تكون علاقتي مع الشعراء واسعة ومتينة ، تكاد تكون أقوى من علاقتي مع الموسيقيين ، والدليل على ذلك أن أحد أعمالي قدمته لأجل شاعر اسمه " غارسيا لوركا " وكان ذلك في مدينة غرناطة .. إضافة إلى أني استوحيت أعمالا موسيقية عديدة من قصائد لشعراء عرب أمثال أدونيس ، ولا أخفي عليك أني لو لم أكن موسيقيا فإنني سأختار أن أكون شاعرا ..

* ما آخر أعمالك " ؟

- صدر لي مؤخرا  من أسبانيا سي دي تحت عنوان " مقامات زرياب " ، وكذلك سي دي آخر تحت عنوان "أحلام عتيقة" عن مؤسسة ماية موسيقى في الجزائر، وتزامن صدوره مع سي دي آخر صدر عن "ديوان" في القاهرة تحت عنوان "حالة وجد" في تجربة خاصة بين العود والايقاعات ، إضافة إلى  " رحيل القمر " الذي أعيد أصداره من لبنان ، والآن هناك سي دي عنوانه " أرض السواد " يتحدث عن الوجع العراقي برؤية موسيقية جديدة ..


* ماذا علمك العود ؟

- علمني أن أكون مؤدبا من الداخل ، أن أرى الأشياء بحلم ، علمني كيف أفكر عبر نافذة نظيفة وساحرة هي الفن ، لذلك أنا أعلم الطلبة إلى أقصى حدود التعليم ، ليس لدي مشكلة في أن يصبح الطالب عازفا عظيما ، بل على العكس ، أنا أسعى إلى ذلك ، هذا لأنّ نفسي تربت من الداخل على أن تكون مساحة كبيرة جدا تستطيع أن  تستوعب كل البشر ..

          

الإعلامية منتهى الرمحي : سأكون وزيرة خارجية في الأردن




  •           أثبتت نظرية أنور الساداة أنها الأصح في العالم العربي وأنّ كل من كان ينادي برمي اسرائيل في البحر كان مخطئا..
  •           قناة " العربية " واقعية .. فهي لا تطنطن ليل نهار بأننا قادرون على هزيمة ولايات المتحدة الأميركية ..
  •          ما زلت أتذكر ما قاله الرئيس عبد الله صالح في أحد حواراتي معه : " خلينا نحلق رؤوسنا قبل ما يحلقونا .."



حوار / محمد غبريس


الإعلامية الجادة منتهى الرمحي نجمة مشرقة في فضاء الإعلام المرئي وخاصة الإخباري والسياسي ، صنعت نجوميتها وتألقها على مدار سنوات طويلة بنفسها وبمثابرتها وثقافتها حيث تتمتع بامتلاكها لأدوات الحوار وفنون الاقناع والاجادة ، وبأداء متميز ومعروف في الساحة الإعلامية ، يتسم بالشفافية والحزم والواقعية فهي واحدة من الإعلاميات القليلات اللواتي اشتهرن بإدارة الحوارات التلفزيونية التي تتطلب أسسا تقوم على الموهبة والفن والمهارة والحضور القوي...

خطواتها الأولى في طريق الإعلام كانت في التلفزيون الأردني حيث قدمت نشرات الأخبار لمدة عامين ونصف تقريبا ، ونتيجة لحضورها ولأدائها المتميزين أصبحت بعد ذلك مسؤولة عن اعداد وتقديم برنامج " يسعد صباحك " في القناة نفسها ، وهو برنامج منوع ثقافي وسياسي استمر مدة ثلاثة اعوام ، ثم التحقت بقناة الجزيرة وعادت إلى تقديم الأخبار حيث قضت نحو 6 سنوات حصدت خلالها شهرة واسعة ومشاهدة جماهيرية كبيرة، فشعرت بعد ذلك بأنها بحاجة إلى تغيير مكان العمل والتعرف إلى تجارب أخرى وسياسات مختلفة فاحتضنتها " العربية " وأعطتها فسحة مستقلة أكبر من تلك التي أعطتها " الجزيرة " تتوافر فيها حرية أكثر للعمل والتفكير والإبداع ، وهي اليوم تقدم برنامج سياسي شامل عنوانه " بانوراما " ..

" دبي الثقافية " التقت منتهى الرمحي وكان هذا الحوار :

 

 

 

** لماذا انتقلت من الجزيرة إلى العربية ؟


- اشتغلت في الجزيرة نحو 6 سنوات وذلك منذ افتتاحها عام 1996 حتى أواخر 2002م وقد حصلت خلال هذه الفترة على كل ما أتمناه حيث تكونت لدي تجربة إعلامية فريدة بحياتي ، ولكن بعد هذه السنوات أتتني رغبة بالتغيير ، وليس لسبب معين ، وإنما حبا مني للتعرف إلى تجارب إعلامية أخرى ، ولا يكون هذا إلا بتغيير القناة مكان العمل وطريقة الأداء ، والشكل الذي وضعت فيه ، فالتغيير بالنسبة إلي هو دائما لصالح الاعلامي ، لأن الأول يكسبه خبرات عديدة ويعرفه إلى شخصيات وسياسيات اعلامية مختلفة ، كذلك عقليات مختلفة ، والانتقال من قناة إلى أخرى لا يعني أن الثانية أفضل من الأولى أو العكس ، فالقناتان تشكلان تجربتين رائداتين في العالم العربي ، والاثنتان لهما توجه مختلف ، وإذا - جاز التعبير - واحدة في اليسار والثانية في اليمين أو العكس ، إذ لا ننكر أن للقناتين بصمة في العالم العربي ..

** ( مقاطعا ) هل أنت في اليمين أم في اليسار ؟


 مكاني هو نفسه أينما ذهبت ، منتهى " الجزيرة " هي منتهى " العربية " على الرغم من السياسة الاعلامية المختلفة في القناتين ، أنا ما زلت أتكلم  بذات النفس والصوت واللهجة..

** تقصدين أن لا قيود مفروضة عليك سواء في الجزيرة سابقا أوالعربية حاليا ؟

- اجمالا.. القيود مفروضة في كل محطة اعلامية وفقا لسياستها وخطها الاخباري والتحريري ، فسياسة " الجزيرة " تختلف كثيرا عن سياسة " العربية " ، وهناك قيود في الاثنتين ، فيما يوجد بالمقابل سقف مفتوح ، وأنا في القناتين قد استطعت أن أحصل على مساحة خاصة بي متمثلة بساعة اخبارية وبرنامج سياسي كل يوم ، وهذه المساحة فيها من الحرية ما يجعلني أكثر ارتياحا وتألقا ، ولا شك أن هناك قيود معينة مفروضة عليّ إلا أنها لا تشكل بالنسبة إلي أي عائق ..

** كيف ترين الحرية الإعلامية اليوم ؟

إذا أردت أن أتحدث عن تجربتنا في الاعلام العربي ، فهناك الكثير من الاعلاميين الذين أصبح لديهم شهرة فيما بعد في الفضائيات قد أتوا من خلفيات وتلفزيونات حكومية ، لكن لماذا لم يبرزوا في هذه التلفزيونات ؟ الاجابة تقول : لأنهم لم يحصلوا على هذه الحرية ، فهم لا يستطيعون أن يتحركوا أو أن يتنفسوا أو حتى أن يعبروا عن أرائهم ، مقيدون ومحكومون بسياسة هذه المحطة وحكومة البلد ، لكن الأمر اختلف حين وجدت الفضائيات لتتيح فرصة الانطلاق ولتمنح لهم مساحات كبيرة تتمتع بالحرية على الرغم من بعض القيود التي تفرضها سياسات كل واحدة منها ..

** تقولين:إن العربية زادتني ألقا ؟ كيف تفسرين ذلك؟


- ( ضاحكة ) .. لا شكّّ أنني استطعت في " الجزيرة " أن أثبت نفسي بنفسي على الرغم من تجربتي الاعلامية البسيطة مقارنة بتجارب زملائي المخضرمين، لكن عندما انتقلت إلى  " العربية " وحصلت على مساحة أكبر ووجدت أن الاعلاميين فيها ليسوا بحجم وخبرة اعلاميي " الجزيرة " .. فمن هنا أصبحت أنا أكثر تميزا في " العربية " وأكثر ألقا وتألقا ..

** ما طموحاتك وما تطلعاتك للمستقبل؟


- أنا أسعى إلى أن أكون وزيرة خارجية في الأردن ، وإذا لم يحالفني الحظ ولم أصل إلى هذا المنصب فسأحاول جاهدا أن أكون سفيرة لبلدي في مكان ما ..

** من يدعمك؟


- ( ضاحكة ) .. لا أحد ، إن التعب الذي يحيطني يوميا من خلال بذل قصارى جهدي في عملي الاعلامي ،  حيث لا أقول ما يملى عليّ ، وإنما عندي رأي أقدمه سواء في برنامجي السياسي ، أو في أي مقال سياسي أكتبه ، كما عندي رؤية لسياسة العالم العربية  فضلا عن تطلعاتي العميقة للمستقبل ، كذلك متابعتي الجامعية ودراستي للعلوم السياسية وسعي إلى نيل الدكتوراه في القانون الدولي ، أعتقد أن هذا التعب يجب أن لا يذهب سدى ..

** كيف تصفين شعورك وأنت تجرين مقابلة مع اسرائيليين حول القضايا العربية ؟

- أتحدث معهم من خلفية صاحب حق والمؤمن بقضيته ، ولكن هذا لا يمنع أن نتحاور مع الآخر بأية طريقة كانت ..

** حتى لو كان العدو الذي اغتصب أرضنا وشرد أطفالنا ودمر بيوتنا ؟

- نعم حتى لو كان الآخر هو العدو ، هل من المنطق أن " أزعل " منه وأدير عنه وجهي ، ولا أتحدث معه ؟! بالنهاية أثبتت نظرية أنور الساداة أنها النظرية الأصح في العالم العربي وأنّ كل من كان ينادي برمي اسرائيل في البحر كان مخطئا لأن هناك أشياء تفرض نفسها على الواقع.. وما من امبراطورية على مرّ التاريخ عمرت إلا ووصلت إلى مرحلة الانتهاء والازالة من الوجود ، نحن كنا نؤمن بأن اسرائيل ليس لها مكان في العالم العربي ، إلا أنّ التجربة التي عشناها منذ الاحتلال حتى الآن تثبت أن اسرائيل سوف يكون لها مكان في العالم العربي رضينا أم أبينا ، ولا مفرّ من المفاوضات ، لأنها خير مخرج من كل المشكلات ، من ناحية ثانية الكل يفاوض ويقيم علاقات مع اسرائيل هل توقفت عل المؤسسات الاعلامية أو على الاعلامي الفلاني ؟!

** طيب ما رأيك بالتطبيع الثقافي مع اسرائيل؟

- أعتقد أن الحديث عن هذا الموضوع ما زال مبكرا ..

** (مقاطعا ) لكنه سرى مفعوله في بعض الدول العربية ؟


- هذه الخطوة مبكرة جدا والتعامل مع اسرائيل ليس واردا الآن ، نحن نتحدث عن الحقوق ، نتفاوض من أجلها أولا ، ثم لا بدّ أن نحصل عليها ، وعندما تعترف اسرائيل بالدولة الفلسطينية على أراضي 67 وعاصمتها القدس ، وتحافظ على جيرتها مع الدول العربية ، تحترم ثقافة الانسان العربي ، وتحافظ على احترامها للآخر ، بعد ذلك لا بدّ من أن نعترف بدولة اسرائيل ثم نقيم معها التطبيع في كل المجالات ..

** ما رأيك  بتلفزيون الواقع ؟

- نحن نتحدث عن الاصلاح وعن حراك سياسي واجتماعي وثقافي في العالم العربي ، لكن تلفزيون الواقع هو قفزة على هذه الأشياء ، هو شيء خارج نسق التطور في العالم العربي .. هل هذه البرامج التي تقدمها معظم الفضائيات هي من اختراعنا ؟ إنها مأخوذة قلبا وقالبا عن الغرب ويضعونها على شاشاتنا ، أما المتلقي العربي فيختلف عن المتلقي الغربي ، فكأنهم يريدون أن يفرضوه على المشاهد العربي ..

** ( مقاطعا ) ولكن له جمهور كبير !

- صحيح أن له جمهور واسع ومن فئة الشباب ولكن في النهاية ستفشل لأنها لا تعبر عن واقعنا أو تعكسه ، وبالتالي يبقى المشاهد هو ضحية مثل هذه البرامج ..

** كيف ترين المرأة الاعلامية اليوم ؟

- ما زلنا في العالم العربي نعاني من التمييز بين الرجل والمرأة ، وخاصة أن مجتمعاتنا ضد المرأة على مختلف المستويات ، ولم تنل المرأة كل الذي وصلت إليه اليوم على طبق من ذهب والماس ، إذ ما زالت تجتهد وتعمل وتحارب من أجل الوصول إلى هذا المكسب ، مشكلتنا في العالم العربي أن معظم الرجال ما زالوا ينظرون إلى المرأة الاعلامية على أنها وجه جميل تظهر على الشاشة ، ولكنها فارغة .. أما تجربة " الجزيرة " فغيرت قليلا من هذه النظرة كذلك تجربة " العربية " التي غيرت أكثر فأكثر مؤكدة أن هناك اعلاميات في العالم العربي مثقافات قادرات على تقديم البرامج السياسية ومحاورة الأشخاص ، إذ كانت من قبل هذه البرامج ينفرد فيها الإعلاميون ، أما اليوم فالأمور اختلفت ، وبدأت النظرة تتغير تدريجيا.. لكن متى أقول لك إن هذه النظرة ألغيت تماما عندما أرى على المحطات الجادة في العالم العربي مذيعات يشبهن مذيعات cnn  أو bbc   ..

 

 

 

** كيف تختارين ضيوفك؟


- أن يكون الضيف على علم بالموضوع الذي سأطرحه وليس مهما أن يكون رئيس وزراء أو محللا سياسيا ، كما أن يكون على اطلاع بالموضوع الذي أريد أن أتحدث معه إضافة إلى أن يكون خفيف الدم لا ثقيل ، متحدث لبق لا ممل ، لديه كاريزما ..

** إلى أي مدى تؤثر الحالة النفسية بأداء المذيعة ؟


- أنا من المذيعات اللواتي يتجاوزن حالاتهن النفسية حيث أحاول أن لا يؤثر انفعالي على عملي ، وأنا عندي تجربة مريرة بخصوص ذلك ، فعندما كنت في الجزيرة تعرض ابني لحادث حيث وضع في الكوما مدة 9 شهور ثم توفي بعد ذلك ، تخيل أني كنت خلال هذه فترة أترك المستشفى وأذهب إلى البيت فأضع المكياج على وجهي ثم أذهب إلى العمل ، كيف تتصور أن تكون حالتي النفسية بهذا الموقف؟! .. وفي الوقت نفسه كنت أحاول أن يكون أدائي طبيعي ، فكان عندي معاناة نفسية ولم تكن الناس آنذاك تتحدث عنها لأنهم بالنهاية يهمهم ما أقدم وكيف أظهر .. فكنت أحارب داخليا حتى أظهر بشكل طبيعي ، كذلك عندما توفيت أمي وكنت في تلفزيون " العربية" بعد أسبوع عدت إلى عملي ، طبعا عندي حالة حزن عميقة ولكن عندي شغل ، وهنا أريد أن أقول الحمد لله أنني أشتغل شغل جاد ..

** ما رأيك بالاتهامات التي تعرضت لها قناة العربية بأنها يهودية تعمل مع الموساد الأميركي ؟

- أنا أعتقد أن قناة " العربية " واقعية بكل ما للكلمة من معنى ، فهي لا تطنطن ليل نهار بأننا قادرون على هزيمة ولايات المتحدة الأميركية ونحن أصلا لسنا قادرين ..




** ما رأيك بالصحافة الالكترونية اليوم وهل ستلغي الصحافة الورقية ؟

- أشك في ذلك لأن للصحافة الورقية خصوصية تختلف عن الصحافة الالكترونية ولا يزال هناك اشخاص يأنسون بالقراءة عن طريق الورق وليس الشاشة ..

** كيف وجدت رجال السياسة في برنامجك ؟

- كذابون بمجملهم ، يعرفون أنهم يكذبون ولكنهم لا يبالون ..

** هل الديمقراطية بحسب المفهوم الأميركي آتية إلى بلادنا ؟

- غصبا عنا آتية ولا محال شئنا أم أبينا ، وما زلت أتذكر ما قاله الرئيس عبد الله صالح في أحد حواراتي معه : خلينا نحلق رؤوسنا قبل ما يحلقونا ..

** أين دور المثقفون والشرفاء في ظل هذه المحنة ؟

- كل شريف في بلادنا يعتبر رجعي ومتخلف لأنه يقاوم ويدافع عن حقه ..أنا كمواطنة عربية أفضل أن أشارك في العملية السياسية في العالم العربي وأتحدث بحريتي حتى لو كانت هذه المشاركة بيد أميركا على أن لا أعيش في ظل حكوماتنا الشمولية الواحدة ، وأبقى أتغنى بشعار الديمقراطية والقومية العربية..واعلم أن كل من يبقى على كرسيه في وطننا العربي تكون أميركا راضية عنه ومحبوبا من البيت الأبيض ..


 نتأنت


ديانا الحوراني: روح الطبيعة تسكن لوحاتي


     ترسم أحزانها بألوان الفرح

        


حوار: محمد غبريس


للوحات الفنانة ديانا الحوراني موال حزين آت من قرى الفلاحين والمزارعين والفقراء، فيه بحة الناي أوّل الفجر، وأنين عصفور مكسور الجناح.. لألوانها ليل طويل طعمه كطعم الدموع والنزيف، تنبثق منه رائحة الحرب وتتسلل إليه ذكريات معبأة بالخوف والصمت..      
هي ابنة جنوب لبنان، ورفيقة السنابل والتلال – كما تقول – سرق منها الاحتلال الإسرائيلي عقد الياسمين والفرح والطمأنينة، واغتال الحزن تلك الابتسامة التي اقتبستها من الحقول والأنهار والأشجار..
كان عالمها اللوني مزيج من ألوان قاتمة يغلب عليها اللون الأسود، ويعبرّ عن حالة الفنانة الغارقة بالحزن والعذاب والجراح.. وقد تحملت ذلك لسنوات طوال إلى أن هاجرت هذا العالم بما يحتويه واختارت مكانا لا تنسجم معه إلا الألوان المضيئة، فقاومت الجرح باللون الأبيض والحزن بألوان ملؤها الانشراح والسلام..
ديانا الحوراني درست الفن منذ العام 1971، ثم مارست التدريس في معاهد ومدارس عدة في لبنان، سافرت إلى الإمارات وشاركت في تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية منذ بدايتها عام 1983..أقامت العديد من المعارض الشخصية في لبنان والإمارات فيما شاركت بمعارض جماعية عدة في هذين البلدين..

ملكة قرطاج

في البداية سألناها عن آخر أعمالها وهي لوحة كبيرة كانت معدة للمشاركة في مسابقة عالمية حيث قالت ديانا: هذه اللوحة تتضمن فكرة حول ملكة قرطاج أليسا، إذ كان هناك مسابقة عالمية تشارك فيها مجموعة كبيرة من الفنانين التشكليين من مختلف العالم يعرضون لوحاتهم على متن مركب في البحر ببيروت.. وقد اتصل بي الفنان اللبناني المعروف وجيه نحلة وطلب مني أن أمثل لبنان في هذه المسابقة، وأعطاني الخيط الأول من الفكرة، أعجبتني كثيرا لأنها تنتمي إلى تراثنا العريق وحضارتنا القديمة..فخطرت ببالي تقديم الفكرة بهذا الشكل، فرسمتها وأرسلتها إلى الفنان وجيه الذي أعجب كثيرا باللوحة وقال لي: " لوحتك مميزة جدا". لكن للأسف ألغيت المسابقة بسبب اندلاع  الحرب الأخيرة على لبنان..

ألوان حزينة
تأثرت ديانا الحوراني كثيرا في قصائد سعيد عقل التي غنتها فيروز، حيث كانت في فترة من الفترات الوحي الأوّل لبعض لوحاتها، وقد أطلقت على إحداها عنوانا باسم قصيدة لسعيد عقل..أمّا الوحي الآخر للوحاتها تقول ديانا: كان له صلة بواقع حياتي الشخصية إذ مررت بمحطات كثيرة حافلة بالأحزان والأشجان والأشواك، فحين أكون حزينة لا أستطيع أن أرسم أو أن أحمل الريشة ، كذلك الأمر حين أكون سعيدة، ولكن بعد التراكم في داخلي سواء كان حزنا أم فرحا، يخرج بتدفق كأنه السيل من عل، ليتحول إلى لوحة فنية تجسد عما كان يعتمل في نفسي.. من هنا تختمر الفكرة ويولد الإحساس الذي يستحيل ألوانا مختلفة تفرض نفسها على المساحة البيضاء ..وإذا أردت أن تعرف ما الأحداث التي ألمت بي فاذهب إلى لوحاتي وسترى بأمّ عينك.
من الغريب – تتابع ديانا كلامها -  بعد وفاة زوجي منذ 3 سنوات تقريبا عن عمر يناهز 48 عاما ، وكانت محطة صعبة كثيرا في حياتي، لم أستطع أن أرسم لفترة، ولكن حين عدت إلى لوحاتي، تشكل لدي احساس آخر انعكس على ألواني، فهجرت عالم الألوان القاتمة الذي مكثت فيه أكثر من ربع قرن، والتجأت إلى  عالم البنفسج والألوان الساحرة.. وأصبحت أرسم أحزاني بألوان الفرح وقاومت الجرح بلوحات تنشد الحبور والسعادة..
تظل اللوحة في عيون الفنانين هي الحاطنة الأولى لما يخفونه في أعماقهم المختلفة، وهي سرّ حياتهم الكامن خلف الألوان والخطوط والأشكال، وبالنسبة إلى ديانا فتعدّ اللوحة جزءا مقدسا من حياتها وهي وقود وجودها وزيت سعادتها، وتقول: عندما أتوقف عن الرسم لفترة ما بسبب حادث معين أشعر بأني لست موجودة..  وأنا ضد النساء اللواتي لا يقمن بأي عمل في حياتهن، لذلك أنا فنانة نشيطة، وقد عدت مجددا لتدريس الرسم في نادي الفتيات بالشارقة ..

لوحات ملؤها الحنين

لديانا طقوس محددة في رسم أي لوحة، فهي لا تقدر أن ترسم من دون أن تستمع إلى أغاني فيروز أو إلى موسيقى الرحابنة وإلى الموسيقى الكلاسيكية بشكل عام، لأنها – برأي ديانا - فيها الحنين والمحبة والعشق والصلاة، كما فيها رائحة الوطن والقرى الجميلة ورائحة الأرض المتلألئة بالسنابل والورود والأشجار..تقول: أنا ابنة إحدى القرى الجنوبية، ترعرت في أحضان الطبيعة الخلابة وتنشقت هواءها العذب وشربت من ماء ينابيعها الزلال.. تسلقت التلال طفلة تريد قرص الشمس، وجلت في الأودية حيث خرير النهر وحفيف الأوراق وزقزقة العصافير.. من هنا كانت معظم لوحاتي تجسّد هذا العالم الطفولي قبل الاجتياح الإسرائيلي..
تضيف: في لوحاتي جذور ونوتات حنين، ووطن سائغ كعين الديك..لدي لوحات عن الحصادين والفلاحين والمزارعين، كذلك عن قطاف العنب والزيتون والكروم فضلا عن لوحات تجسد المقاومة والصمود والتضحية في وجه العدو..كما لدي لوحات خاصة عن الزهور التي تنبت في جبال لبنان الشامخة، وطبعا هناك لوحات تعكس ذكريات كثيرة مازالت تحاصرني كأنها دموع محبوسة في العيون، إضافة إلى لوحات أتت نتيجة الحرب والمعاناة والحرمان..

التأمل والبحر والمرأة

لا تفصل ديانا بينها وبين البيئة التي ولدت فيها، وتتساءل قائلة: إذا أردت أن تعرفني فاذهب إلى المحيط الذي ولدت فيه؟! لا شكّ أن أعمال الفنان تعكس شخصيته وتنقل بعض المشاهد من البيئة التي ولد فيها..وبالنسبة إلى ديانا فإنّ البحر يمنحها الصفاء الذهني ويشاطرها الهموم والأفراح..إذ إنها تسافر إلى ما ورائه حيث التأمل والهدوء والدمعة الخفيفة.. أما التأمل فهو مفتاح الايحاء للوحاتها كما تعبّر..كذلك الليل تقتنص منه لحظات التأمل في روعة السماء، وبعض لوحاتها تنبثق أفكارها بين الحلم واليقظة..
المرأة هي جمالية الكون، هكذا تراها ديانا ليس من باب الغرور ولكن من باب القيمة، فالمرأة في اللوحة تختلف عن المرأة في الواقع برأي ديانا حيث تقول:  أرسم المرأة بشكل آخر ومختلف إذ إني أجمع معها تفاصيل الحياة، وأركز على مواطن القوة والتألق لديها.. في محطات كثيرة أعتقد أنها أقوى من الرجل، ودائما المرأة التي أرسمها ومن دون قصد تبدو تشبهني..والمرأة بحاجة إلى دعم كبير مادي ومعنوي وتشجيع ويجب أن يكون الرجل فخور بزوجته..
كما هناك لوحات لا تفرط بها ديانا كذلك هناك لوحات لا تحبها ولا تستطيع أن تنظر إليها أو أن تتأمل بتفاصيلها لأنها تأخذها إلى أمكنة لا تريد العودة إليها.. مثل لوحة تجسد مرحلة تعذبت فيها كثيرا..العذاب بالنسبة إلى ديانا يولد عندها إحباطا ثقيلا، ولكن في الوقت نفسه يمنحها القوة في ذاتها، فتتخزن هذه الصراعات عبر الأيام وسرعان ما تنفجر وتخرج ألوانا وأفكارا مختلفة ..

الأخلاق الفنية

أخيرا كان لا بدّ من وقفة عند الحب الذي ضحت من أجله وقدمت الكثير في استمراره هكذا تقول ولا تدخل بالتفاصيل، كان إلهامها الأول في حياتها، وأول لوحة رسمتها أهدتها إلى زوجها، ولكن اشتراها أحد الأشخاص بمبلغ كبير، فندمت بعد ذلك على فعلتها، ظنا منها أنها تستطيع أن ترسم مثلها..
وتوجه ديانا رسالة في ختام اللقاء إلى كل الفنانات المبتدئات، تقول فيها: الأخلاق الفنية أهم من أن ترسمن أي لوحة، وهذه الأخلاق وحدها التي تسهل الطريق في حياتكن.. وثقن أن اللوحة وسيلة لإسعادي وتوفر لي الطمأنينة والهدوء كما هي وسيلة لإسعادكم وتوفر لكن الطمأنينة والهدوء..