الأحد، 23 يناير 2011

المخرج الكويتي فؤاد الشطي: ما يقدم باسم الكوميديا اليوم.. مسخرة وتهريج








-         المسؤولون على الشأن الثقافي يمارسون وصاية وهم زمرة من المنافقين لا رأي لهم..
-         أثرياؤنا لا يلتفتون إلينا ولا يدفعون حتى الضرائب للدولة ويستحرمون أن يتبرعوا أو يدعموا الثقافة
-         لا نريد أن يتحول الفنان الكوميدي إلى مضحكاتي أو قرد أو مهرج مسرحي يعمل في بلاط السلاطين ..


حوار/ محمد غبريس


يعدّ المخرج الكويتي الكبير فؤاد الشطي أحد أهم مخرجي المسرح في الكويت إذ قدم على مدى أربعة عقود من الزمان العديد من العروض المسرحية الجادة الناجحة، حيث كان له الفضل الكبير بتطوير الحركة المسرحية الكويتية والخليجية، فهو الذي اقترح بتنظيم مهرجان محلي سنوي حافل لتكون الانطلاقة الأولى له في السابع والعشرين من شهر مارس عام 1989 تزامنا مع احتفالات العالم بيوم المسرح العالمي. كما أسهم بشكل عملي في مواصلة تطور المسرح في الإمارات من خلال حضوره الدائم لمهرجان أيام الشارقة المسرحية ومواكبته المستمرة للأجيال  الجديدة فضلا عن حرصه الشديد على تقديم مسرح جاد يعالج قضايا الأمة..
ترأس مؤخرا حملة " فنانون كويتيون من أجل أطفال لبنان " وذلك بعد العدوان الإسرائلي الغاشم على لبنان، حيث تهدف هذه الحملة التي شارك فيها مجموعة من الفنانين منهم الفنان نبيل شعيل وجاسم النبهان وهدى حسين وداود حسين،  إلى تأمين الحقائب المدرسية ومستلزماتها لأطفال لبنان..
يذكر أنه تم تزكية الفنان فؤاد الشطي للمرة الخامسة على التوالي لعضوية المكتب التنفيذي للهيئة العالمية للمسرح للعامين القادمين ، وذلك خلال انعقاد المؤتمر الـ(31 ) للهيئة العالمية للمسرح في مانيلا بالفلبين المنعقد في الفترة من 19 – 28 مايو 2006.

حالة تأمل وترصد

حول سبب انقطاعه عن المسرح منذ مدة طويلة يقول فؤاد الشطي: حقيقة انقطعت عن المسرح منذ أوائل التسعينات نتيجة لظروف ومعطيات تحيط بالواقع الثقافي الكويتي بشكل خاص وبالواقع الثقافي العربي بشكل عام، إذ إن الواقع المعاش على الأقل في الكويت يتضمن الكثير من المعوقات التي تعرقل مسيرة الفنان المسرحي الجاد والملتزم على كافة المستويات، أما على مستوى البيت المسرحي الداخلي فهناك – للأسف الشديد – نوع من أنواع الجحود والنكران من قبل العديد من النجوم الذين تم تصنيعهم وتكوينهم وتأهيلهم ثم اكتسبوا نجوميتهم من المسرح وانطلقوا فيما بعد من خلاله إلى فضاءات أخرى كالتلفزيون والإذاعة ومن ثم إلى المسرح الاستهلاكي ، كونه الأكثر ثراء ومردودا ماليا والأقل عناء ومشقة ..أضف إلى ذلك ارتفاع كلفة الانتاج المسرحي في ظل الإمكانات المادية البسيطة والمتاحة للفرق المسرحية الأهلية وهي المعنية بتقديم العمل المسرحي النوعي، ناهيك عن انعدام حركة نقدية صحيحة سليمة في الصحافة والإعلام الكويتي الذي أصبح أسير الإعلانات وأسير هذه المؤسسات الإنتاجية الضخمة، فمعظم من يعمل في أقسام التحرير الخاصة بالصفحات الفنية هم في الواقع يعملون لمصلحة هذه المؤسسات الفنية الخاصة حيث يروجون لأعمالهم الهابطة كما يحجبون عن متابعة الأعمال الرصينة لأنهم ليسوا بمستوى التصدي لمثل هذه الأعمال ومضماينها ..
كذلك الذي جعلني أتوقف عن العمل في المسرح حتى إشعار آخر – يتابع الشطي كلامه - هو أن المرء عندما يصل إلى مرحلة من المراحل يحتاج إلى مدة زمنية غير محددة ،  يتأمل خلالها المسرح والساحة الفنية عن بعد ، حيث يرصد الاختلالات التي تشوبها ويحاول أن يفعل أشياء كثيرة ما كان ليستطيع أن يفعلها عندما كان منغرقا ومنشغلا طوال الوقت في إنتاج عروض مسرحية .. بالنسبة إلى العروض التي قمت بإخراجها كانت تستغرق مني عاما متواصلا ، حيث يستمر عرض المسرحية الواحدة نحو 6 أشهر في داخل الكويت وخارجها وكنت أصرّ على عرضها حتى لو كانت القاعة فارغة من الجمهور، وما إن انتهي من عمل لأنتقل إلى عمل آخر .. وأنا حقيقة اليوم أعيش حالة تأمل واقع وحالة رصد ، كذلك أنا بصدد نشر كتابين عن الحركة المسرحية الكويتية ، الأوّل يسلط الضوء على نماذج من الإخراج المسرحي في الكويت ، والثاني  أتكلم فيه عن المسرح الكويتي مقارنة مع المسرح في الإمارات العربية المتحدة ، إذ أجزم بأنني معاصر لمرحلتين ..

عن رأيه في الجيل الجديد المندفع إلى المسرح،  ذهب الشطي في قوله إلى جيله الذي يمتلك قدرات ومواهب مسرحية لا يمتلكها الجيل الحالي حيث يقول:ما زلت أذكر أن الشباب في ذلك الوقت كانوا يأتون للعمل في المسرح بحماسة لا توصف ،إذ يريدون أن يتعلموا وأن يصنعوا من أنفسهم نجوما بارعين ، وأنا شخصيا في المسرح لا أطالب إلا بهذه الحماسة والاستعداد للتعلم وأن يعطي الشباب من عندهم كل طاقاتهم وشغفهم حتى نسهر بدورنا على تدريبهم وتكوينهم  ، أما اليوم وللأسف الشديد فأجد أن الشباب - المودرن - لا يأتون إلى المسرح إلا ليشترطوا علينا مبالغ مالية كبيرة فضلا عن الدور الذي يريدونه ، ففي السابق كانت الأجور مقطوعة واليوم أصبح الممثلون يتقاضون المال عن كل عرض ..

مسؤولون..منافقون

ردا على سؤال حول أهم المعوقات التي تعترض مسيرة المسرح، يؤكد الشطي أن عملية الترويج تعد الأهم بالنسبة إلى تواصل العروض وتواصل الممثلين مع الجمهور، ويقول:، كنّا في السابق نحظى بدعم ورعاية من وزارة الإعلام الكويتية التي كانت تذيع لنا إعلاناتنا التلفزيونية والإذاعية مجانا، واليوم اختلف الأمر حيث أصبحت تعاملنا كما تعامل الفرق الخاصة والمسرح الاستهلاكي أو كمن يسوق لسلعة تجارية ، فهذه المبالغ لا نمتلكها ، وهناك بعض المؤسسات الفنية الخاصة تصرف فقط على عملية الترويج الإعلاني التلفزيوني ما يوازي ضعفي موازنة الفرق المسرحية الأهلية ، ونحن الذين نعمل بنصف الموازنة ، لأن النصف الثاني يذهب إلى الأمور الإدارية وإلى أمور تسيير مقررات الفرق وخلافها .. وهنا أذكر أن آخر عمل لي كان عام 1996 حيث قدمته في ظل عتمة إعلامية كبيرة ، لأنني ليست لدي إمكانيات كبيرة للترويج عن أعمالي، كذلك هناك معوقة لم تكن موجودة في السابق  تتمثل بالاحتضان والرعاية المعنوية من قبل القائمين على الشأن الثقافي ، ففي السابق كان لدينا مجموعة طيبة تشكل الثقافة عندها همّا ، فكانت تدير الثقافة من هذا المنطلق ، واليوم نجد المسؤولين على الشأن الثقافي يحاولون أن يمارسوا وصاية – طبعا يمارسوها على من يشاءوا ولا يمارسوها عليّ – وأنا لا أعترف بهم أصلا  كقادة للحركة  الثقافية الذي نزلوا – مع الأسف – بـ " براشوتات "على الحركة الثقافية ،  لأنهم لا ينتمون إلى جسد الحركة الثقافية وليسوا من نتاجها، فهم زمرة من المنافقين واللفاقين وأرباع الموهوبين الذين لا رأي لهم ، وعلى العكس المسؤولين بالفترة الذهبية التي تكونت فيها ، حيث كان القائمون على الشأن الثقافي والفني في الكويت من المهمومين بهذا الهم وليسوا دخلاء عليه ، فقضية الطبطبة والحنو والرعاية وتسهيل الأمور كانت بحد ذاتها عامل دفع للاستمرار ، فكانوا ينحازون للعمل الجميل والفنان المثقف لا يختارون إلا الثمين رافضين الغث ..

* برأيك هل هذه المشكلات تطال كافة المسارح العربية؟
أجزم بأن واقع حال المسرح العربي يكاد يتساوى في كافة الأقطار العربية مع بعض الفروقات البسيطة في التفاصيل من واقع لآخر ، لكن على الأقل فرص الدعم والرعاية في بعض الدول العربية وخاصة التي لديها إمكانات بشرية كبيرة  ومحبة للعمل المسرحي متوفرة بشكل ملفت ومنقطع النظير ..

المسرح النوعي
عن رأيه في واقع المسرح النوعي اليوم يقول الشطي:بالنسبة إلى المسرح النوعي الذي يقدم فكرا بإطار فني جميل ، للأسف أصبحت الأعمال المنوطة به نخبوية، إذ يكاد المسرح في كل العالم يلفظ أنفاسه، وما رائج اليوم ومن دون شك إطلاقا هو المسرح الموسيقي إنه الأنجح تجاريا والأكثر مشاهدة ومتابعة ، فهو يقدم عروضا مبهرة ومبهجة وتستمر لسنوات عديدة، لذلك يعاني المسرح أزمة صعبة تتمثل بقلة الجمهور والحضور، لكنه مدعوم في الوقت نفسه، مثلا لو أردنا أن نعرف ما هي موازنة المسرح في فرنسا أو بريطانيا وحتى في أميركا؟ نجد أن الفرق المسرحية  النوعية تحظى بالدعم الكبير والرعاية بدءا من الحكومات المحلية والبلديات والشركات الكبيرة التي تفضل أن تدعم الأنشطة الإنسانية والمجالات الفنية والثقافية على أن تستقطعها من ضريبتها التي تدفعها للدولة، نحن مع الأسف الشديد أثرياؤنا لا يلتفتون إلينا ولا يدفعون حتى الضرائب للدولة ويستحرمون أن يتبرعوا أو يدعموا الثقافة، بهذه العقلية فليس لنا إلا الحكومات ونحن دول ناشئة من حقنا على الدولة أن تلتفت إلينا وأن تحتضننا..

*ما دورك بعد هذا الانقطاع؟
صحيح أنني توقفت عن الإخراج المسرحي كفعل ولكنني لم أتوقف عن ممارسة دوري الرئيس كمنشط للحركة المسرحية وداعم للشباب العاملين في المسرح، منذ الستينات وأنا أحاول أن أدعم الشباب ، وأمارس هذا الدور لأفسح المجال وأقف وراء الكثير من المشروعات المسرحية، ومساهمتي في الحركة المسرحية الكويتية واضحة وبينة، من خلال العديد من الأعمال واللجان وإدارتي لمهرجان المسرح الكويتي لسنوات ، وعضوياتي في اللجان المختلفة المعنية بالمسرح وإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات ..

*بعد هذه الحالة من التأمل والرصد بماذا ستفاجأ المسرح والجمهور؟
ما أسعى إليه حقيقة هو أن تكون خاتمة مسيرتي الفنية القيام  ببعض العروض المسرحية، وثق بأن الأعمال ستكون بمستوى تطلعات الآخرين ، لأني لم أتخلف عن مواكبة المستجدات الحديثة في المسرح سواء بالاطلاع أو بالاحتكاك المباشر، وفي تطوير أداوتي الذاتية ، فأنا أحاول أن أتجدد دائما ..منفتح على الكل وأشاهد ثانويا على الأقل 400 عرض مسرحي ، وأقرأ كل ما يستجد من إصدارات حول المسرح ، هذا هو تجدد خلايا العقل والوجدان ..

الكوميديا في المسرح الاستهلاكي.. سطحية

أما عن الكوميديا التي نشهدها اليوم على المسرح فكان للشطي هجوم عنيق إذ يقول:أنا من المؤمنين بدور الكوميديا كعامل مهم من العوامل الترويج لأي فكر جاد ، والجديّة هنا لا تعني التجهم ، فمعظم عروضي المسرحية تتضمن الكوميديا ، وعلينا أن نشخص نوعية الكوميديا ، عن أي أنواع الكوميديا نتحدث ، ما يقدم باسم الكوميديا في واقع الأمر هو مسخرة ، ما نشاهده الآن في المسرح الاستهلاكي تهريجا وكوميديا سطحية تعتمد على الإسفاف والكلمات البذيئة والحركات السمجة ، وهي لا تضحك إلا  السذج من الجماهير ، أنا مع الكوميديا الرصينة ، من منا يختلف حول مسرحية " بيباي يا عرب " أو " شاهد ما شفش حاجة " أنا اعتبرهما من عيون المسرحيات العالمية ، على المستويين ، الأول الطرح الفكري ، والثاني الشكل والمضمون، والكوميديا التي فيها متعة وجميلة ، نحن ضد الإسفاف ، وضد أن يتحول الفنان الكوميدي إلى مضحكاتي أو قرد أو مهرج مسرحي يعمل في بلاط السلاطين ..

المسرح في الإمارات

حول واقع الحركة المسرحية في دولة الإمارات يؤكد فؤاد الشطي أن
هذه الحركة تعدّ الأنشط على المستوى الخليجي في السنوات العشر الأخيرة ، والأكثر إثراءا ورفدا للحركة المسرحية بكتاب مسرحيين جدد لهم أعمالهم المتميزة وبمخرجين شباب مهمين وكذلك ينطبق على الممثلين والممثلات والتقنيين وما شابه ذلك ..
يتابع: لو لاحظنا أن معظم الأعمال الخليجية بدأت تولي اهتماما كبيرا بالعنصر النسائي الإماراتي ، وما كان هذا ليتحقق لولا تواصل مهرجان أيام الشارقة المسرحية الذي بدأ مهرجانا مسرحيا مدرسيا بعروضه ووصل إلى مرحلة يقدم طاقات مسرحية متميزة ، ولا تخلو منها دورة من الدورات ، إذ إن كل المهرجانات في العالم تشهد مستويات مختلفة من العروض ، ومهرجان الشارقة ليس استثناء ، فحالة التميز والارتقاء تختلف من دورة إلى أخرى ، لكن بالاجمال يخرج المهرجان في كل سنة بمحصلة طيبة على كافة المستويات وإن كان باعتقادي الدورتان السابقتان الحلقتان الأضعف على المستوى العروض ..
يضيف: ولولا الرعاية الكريمة والمساهمة الفاعلة من قبل سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لمهرجان الشارقة لما أصبح للفنان الإماراتي وجود ولما أصبح له رئة مسرحية يتنفس من خلالها ، يجب على هؤلاء الشباب أن يستغلوا هذه الفرصة ويصبوا كل اهتماماتهم في المسرح..

يختتم الشطي المقابلة بأمنية حقيقية تدور في قلبه وعقله حيث يقول :ما أتمناه للمسرح هو ما أتمناه لنفسي ، لأني أنا والمسرح في حالة توأمة ، وهذه التوأمة تفرض عليّ أن أتمنى كلّ الخير للحركة المسرحية العربية بشكل عام والحركة الخليجية بشكل خاص ، وأن تتوفر كل الضمانات الكفيلة باستمراريتها وتمكين مبدعيها بالعمل في أجواء مريحة وبيئة صحية ، تنتشل هذا المسرح من عثراتها ، وأن يزداد الوعي الجماهيري بأهمية المسرح وأن تتأصل عادة ارتياد المسرح لدى الجمهور بشكل خاص وأن يصبح المسرج جزءا من مكونات الإنسان العربي عموما وأن نهتم بالناشئة العرب بتعليمهم وبتذوق الفنون الجميلة على مختلف أصعدتها وفن المسرح منها للارتقاء بحسهم الجمالي ، لأن من يقدر الجمال ومن يتأمل الجمال بالضرورة سيكون إنسانا جميلا ..



    

     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق